للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى (١٧) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (١٨) قَالَ أَلْقِهَا يَامُوسَى (١٩) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (٢٠) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (٢١)﴾.

هذا برهان من الله تعالى لموسى ، ومعجزة عظيمة، وخرق للعادة باهر دلَّ على أنه لا يقدر على مثل هذا إلا الله ﷿، وأنه لا يأتي به إلا نبي مرسل. وقوله: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى (١٧)﴾ قال بعض المفسرين: إنما قال له ذلك على سبيل الإيناس له، وقيل: وإنما قال له ذلك على وجه التقرير؛ أي أما هذه التي في يمينك عصاك التي تعرفها، فسترى ما نصنع بها الآن ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى (١٧)﴾ استفهام تقرير

﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا﴾ أي: أعتمد عليها في حال المشي ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ أي: أهز بها الشجرة ليتساقط ورقها لترعاه غنمي.

قال عبد الرحمن بن القاسم، عن الإمام مالك: الهش أن يضع الرجل المحجن في الغصن ثم يحركه حتى يسقط ورقه وثمره ولا يكسر العود، فهذا الهش ولا يخبط (١)، وكذا قال ميمون بن مهران أيضًا.

وقوله: ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ أي: مصالح ومنافع وحاجات أخر غير ذلك، وقد تكلف بعضهم لذكر شيء من تلك المآرب التي أبهمت، فقيل: كانت تضيء له بالليل وتحرس له الغنم إذا نام، ويغرسها فتصير شجرة تظله، وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة، والظاهر أنها لم تكن كذلك، ولو كانت كذلك لما استنكر - موسى صيرورتها ثعبانًا فما كان يفرُّ منها هاربًا، ولكن كل ذلك من الأخبار الإسرائيلية، وكذا قول بعضهم: إنها كانت لآدم ، وقول الآخر: إنها هي الدابة التي تخرج قبل يوم القيامة، وروي عن ابن عباس أنه قال: كان اسمها ما شا (٢)، والله أعلم بالصواب.

وقوله تعالى: ﴿قَالَ أَلْقِهَا يَامُوسَى (١٩)﴾ أي: هذه العصا التي في يدك يا موسى ألقها

﴿فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (٢٠)﴾ أي: صارت في الحال حية عظيمة ثعبانًا طويلًا يتحرك حركة سريعة، فإذا هي تهتز كأنها جان، وهو أسرع الحيات حركة، ولكنه صغير، فهذه في غاية الكبر وفي غاية سرعة الحركة، ﴿تَسْعَى﴾ أي: تمشي وتضطرب.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن عبدة، حدثنا حفص بن جميع، حدثنا سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس ﴿فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (٢٠)﴾ ولم تكن قبل ذلك حية، فمرت بشجرة فأكلتها، ومرت بصخرة فابتلعتها، فجعل موسى يسمع وقع الصخرة في جوفها فولى مدبرًا، ونودي: أن يا موسى خذها فلم يأخذها، ثم نودي الثانية: أن خذها ولا تخف، فقيل له في الثالثة: ﴿إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ﴾ [القصص: ٣١] فأخذها (٣).

وقال وهب بن منبه في قوله: ﴿فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (٢٠)﴾ قال: فألقاها على وجه


(١) معناه صحيح، ولعل هذا النص من تفسير الإمام مالك المفقود، فقد نقل منه الحافظ ابن كثير مرارًا.
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور إلى ابن أبي حاتم، وهي من الإسرائيليات.
(٣) أخرجه الطبري عن أحمد بن عبدة الضبي به، وسنده ضعيف لضعف حفص بن جُميع (التقريب ص ١٧٣).