للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأسند القاضي عياض في كتابه الشفاء من طريق عبد بن حميد في تفسيره: حدثنا هاشم بن القاسم، عن ابن جعفر، عن الربيع بن أنس قال: كان النبي إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى، فأنزل الله تعالى: ﴿طه (١)﴾ يعني: طأ الأرض يا محمد ﴿مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (٢)(١) ثم قال: ولا خفاء بما في هذا الإكرام وحسن المعاملة (٢).

وقوله: ﴿مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (٢)﴾ قال جويبر، عن الضحاك: لما أنزل الله القرآن على رسوله قام به هو وأصحابه، فقال المشركون من قريش: ما أنزل هذا القرآن على محمد إلا ليشقى، فأنزل الله تعالى: ﴿طه (١) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (٢) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (٣)(٣) فليس الأمر كما زعمه المبطلون؛ بل من آتاه الله العلم فقد أراد به خيرًا كثيرًا، كما ثبت في الصحيحين عن معاوية قال: قال رسول الله : "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" (٤).

وما أحسن الحديث الذي رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في ذلك حيث قال: حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا العلاء بن مسلمة، حدثنا إبراهيم الطالقاني، حدثنا ابن المبارك، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن ثعلبة بن الحكم قال: قال رسول الله : "يقول الله تعالى للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيه لقضاء عباده: إني لم أجعل علمي وحكمتي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ولا أبالي" (٥) إسناده جيد، وثعلبة بن الحكم هذا هو الليثي، ذكره أبو عمر في استيعابه، وقال: نزل البصرة ثم تحول إلى الكوفة، وروى عنه سماك بن حرب (٦).

وقال مجاهد في قوله: ﴿مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (٢)﴾ هي كقوله: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾ [المزمل: ٢٠] وكانوا يعلقون الحبال بصدورهم في الصلاة (٧).

وقال قتادة: ﴿مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (٢)﴾ لا والله ما جعله شقاء، ولكن جعله رحمة ونورًا ودليلًا إلى الجنة (٨) ﴿إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (٣)﴾ إن الله أنزل كتابه وبعث رسوله رحمة رحم بها عباده ليتذكر ذاكر، وينتفع رجل بما سمع من كتاب الله وهو ذكر أنزل الله فيه حلاله وحرامه.

وقوله: ﴿تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (٤)﴾ أي: هذا القرآن الذي جاءك يا محمد هو تنزيل من ربك، رب كل شيء ومليكه القادر على ما يشاء، الذي خلق الأرض بانخفاضها وكثافتها، وخلق السماوات العلى في ارتفاعها ولطافتها، وقد جاء في الحديث الذي صححه


(١) سنده ضعيف لإرسال الربيع بن أنس، وهو من صغار التابعين.
(٢) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١/ ٢٦.
(٣) أخرجه البستي من طريق جويبر به، وسنده ضعيف لضعف جويبر، وإرسال الضحاك.
(٤) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين (ح ٧١)، وصحيح مسلم، الزكاة، باب النهي عن المسألة (ح ١٠٣٧).
(٥) أخرجه الطبراني بسنده ومتنه (المعجم الكبير ٣/ ٨٤ ح ١٣٨١)، وسنده ضعيف جدًا لأن العلاء بن مسلمة متروك كما في ميزان الاعتدال وقد جعله ابن الجوزي ضمن الموضوعات (١/ ٢٦٣).
(٦) الاستيعاب ١/ ٢٠٤.
(٧) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٨) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة.