للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعًا: تفسير التابعين:

إن طبقة التابعين من المفسرين أخذت التفسير عن الصحابة فقد روى التفسير عكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح كلهم رووا عن ابن عباس ، وكذلك أخذ أبو العالية عن أُبي بن كعب، كما أخذ كل من مسروق ومُرّة الهمداني وعَبيدة السلماني عن ابن مسعود ، وقوة تفاسيرهم تأتي بعد الصحابة ولهذا اعتمد الحافظ ابن كثير على تفاسيرهم وأكثر النقل عنهم، وذلك للقيمة العلمية لأقوالهم، ومن وجوه القيمة العلمية ما يأتي:

١ - قول النبي : "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم … ".

٢ - أن التابعين لهم روايات في أسباب النزول لها حكم الرفع، وذلك إذا جاءت روايات بأسانيد ثابتة عن أكثر من تابعي فإنها تقوي بعضها بعضًا ويكون لها حكم الرفع.

٣ - إذا وردت الرواية الضعيفة عن الصحابي فإن الرواية الصحيحة عن التابعي تقويها وتكون كالشاهد لها، وخصوصًا إذا كان التابعي تلميذًا لذلك الصحابي.

٤ - غزارة أقوالهم في التفسير: ففي تفسير الطبري توجد (١٨٨٥٤) رواية، ذكرها فضيلة د. محمد بن عبد الله الخضيري في كتابه تفسير التابعين، وهو أفضل من كتب في دراسة منهج التابعين المفسرين.

٥ - ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية : (طالعت مائة كتاب في التفسير لم أجد فيه تأويلًا عن الصحابة والتابعين).

خامسًا: التفسير اللغوي:

إن الاستفادة من المصادر السابقة أغنت الحافظ ابن كثير لأن أغلب الاستفادة من التفسير اللغوي في مجال غريب القرآن، وقد تناولت المصادر السابقة كثيرًا من غريب القرآن يروي بعضه عن النبي ويروي كثيرًا منه عن الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، وأغلبهم من قبائل عربية عريقة أو من علماء لهم دراية عظيمة باللغة العربية، ومع هذا فإن الحافظ ابن كثير أثرى تفسيره بالبيان اللغوي، مستشهدًا بالشعر العربي نقلًا من دواوين الشعر الأصيلة، أو أنه يفسر مضمنًا أساليب الأعراب فيجعله كالملح في الطعام في تذوقه وفي قلته وعند الحاجة دون إفراط أو تفريط، كما سنرى في تفسير البسملة في بيان لفظ الجلالة الله فقد نقل أقوال أساطين اللغة كالخليل بن أحمد الفراهيدي وسيبويه، وبرهن على أنه مشتق واستشهد بالشعر وهكذا في ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣)[الفاتحة] وتفسير سورة الفاتحة كما سيأتي في بداية تفسيره.

وقد كان منهج الحافظ ابن كثير فيما تقدم في غاية الدقة إذ راعى ضوابط التفسير اللغوي، فهو لا يتسارع إلى اللغة قبل الأثر، فقد حذر من ذلك كبار المفسرين:

قال الإمام القرطبي في مقدمة تفسيره في سياق كلامه عن ضوابط التفسير اللغوي وهو يحذر: أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية، من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغرائب القرآن، وما فيه من الألفاظ المبهمة والمبدلة، وما فيه من الاختصار والحذف والإضمار والتقديم والتأخير، فمن لم يحكم ظاهر التفسير وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية، كثر غلطه،

<<  <  ج: ص:  >  >>