للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العوام، عن سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلم، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ أن تقول: إن شاء الله (١).

وقال الطبراني: حدثنا محمد بن الحارث [الجُبيلي] (٢)، حدثنا صفوان بن صالح، حدثنا الوليد بن مسلم، عن عبد العزيز بن حصين، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس [في قوله: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ أن تقول: إن شاء الله (٣). وروى الطبراني أيضًا عن ابن عباس (٤)] في قوله: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ الاستثناء فاستثن إذا ذكرت، وقال: هي خاصة برسول الله وليس لأحد منا أن يستثني إلا في صلة من يمينه، ثم قال: انفرد به الوليد عن عبد العزيز بن الحصين (٥)، ويحتمل في الآية وجه آخر وهو أن يكون الله تعالى قد أرشد من نسي الشيء في كلامه إلى ذكر الله تعالى؛ لأن النسيان منشؤه الشيطان، كما قال فتى موسى: ﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ [الكهف: ٦٣] وذكر الله تعالى يطرد الشيطان فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان، فذكر الله تعالى سبب للذكر، ولهذا قال: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾.

وقوله: ﴿وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا﴾ أي: إذا سئلت عن شيء لا تعلمه، فاسأل الله تعالى فيه، وتوجه إليه في أن يوفقك للصواب والرشد في ذلك، وقيل في تفسيره غير ذلك، والله أعلم.

﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (٢٥) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (٢٦)﴾.

هذا خبر من الله تعالى لرسوله بمقدار ما لبث أصحاب الكهف في كهفهم منذ أرقدهم إلى أن بعثهم الله وأعثر عليهم أهل ذلك الزمان، وأنه كان مقداره ثلثمائة سنة تزيد تسع سنين بالهلالية، وهي الثلثمائة سنة بالشمسية، فإن تفاوت ما بين كل مائة سنة بالقمرية إلى الشمسية ثلاث سنين، فلهذا قال: بعد ثلثمائة وازدادوا تسعًا.

وقوله: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ أي: إذا سئلت عن لبثهم وليس عندك علم في ذلك وتوقيف من الله تعالى فلا تتقدم فيه بشيء، بل قل في مثل هذا: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي: لا يعلم ذلك إلا هو ومن أطلعه عليه من خلقه، وهذا الذي قلناه عليه غير واحد من علماء التفسير كمجاهد (٦) وغير واحد من السلف والخلف.


(١) أخرجه الطبراني بسنده ومتنه (المعجم الكبير ١٢/ ١٧٩ ح ١٢٨١٧) وسنده حسن.
(٢) كذا في المعجم الكبير ١٢/ ١٧٩ (ح ١٢٨١٧) وفي الأصل: "الجيلي" وفي (ح) و (حم): الحبلي.
(٣) أخرجه الطبراني بسنده ومتنه (المعجم الأوسط ٧/ ٦٨ ح ٦٨٧٢)، قال الهيثمي: وفيه عبد العزيز بن حصين وهو ضعيف (مجمع الزوائد ٧/ ٥٦)، وقد تابعه سفيان بن حسين في الرواية السابقة فيكون سنده حسنًا لغيره.
(٤) زيادة من (ح) و (حم).
(٥) في سنده عبد العزيز بن الحصين وهو ضعيف كما تقدم في الرواية السابقة ولم يتابع فسنده ضعيف.
(٦) قول مجاهد أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه.