للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن يرد ذلك إلى مشيئة الله ﷿، علّام الغيوب الذي يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، كما ثبت في الصحيحين، عن أبي هريرة، عن رسول الله أنه قال: "قال سليمان بن داود : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة - وفي رواية: تسعين امرأة، وفي رواية: مائة امرأة - تلد كل امرأة منهن غلامًا يقاتل في سبيل الله، فقيل له - وفي رواية قال له الملك: قل: إن شاء الله، فلم يقل، فطاف بهم فلم يلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان، فقال رسول الله - والذي نفسي بيده، لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركًا لحاجته" وفي رواية: "ولقاتلوا في سبيل الله فرسانًا أجمعين" (١) وقد تقدم في أول السورة ذكر سبب نزول هذه الآية في قول النبي لما سئل عن قصة أصحاب الكهف غدًا أجيبكم" فتأخر الوحي خمسة عشر يومًا، وقد ذكرناه بطوله في أول السورة (٢)، فأغنى عن إعادته.

وقوله: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ قيل: معناه: إذا نسيت الاستثناء، فاستثن عند ذكرك له، قاله أبو العالية والحسن البصري (٣).

وقال هشيم عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس في الرجل يحلف قال: له أن يستثني ولو إلى سنة وكان يقول: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ ذلك، قيل للأعمش: سمعته عن مجاهد؟ فقال: حدثني به ليث بن أبي سُليم تُرى ذهب كسائي هذا (٤)! ورواه الطبراني من حديث أبي معاوية، عن الأعمش به (٥).

ومعنى قول ابن عباس أنه يستثني ولو بعد سنة؛ أي: إذا نسي أن يقول في حلفه أو في كلامه إن شاء الله وذكر ولو بعد سنة، فالسنة له أن يقول ذلك، ليكون آتيًا بسنة الاستثناء حتى ولو كان بعد الحنث، قاله ابن جرير (٦)، ونصّ على ذلك لا أن يكون رافعًا لحنث اليمين ومسقطًا للكفارة، وهذا الذي قاله ابن جرير هو الصحيح، وهو الأليق بحمل كلام ابن عباس عليه، والله أعلم.

وقال عكرمة: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ أي إذا غضبت (٧). وهذا تفسير باللازم.

وقد قال الطبراني: حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني، حدثنا سعيد بن سليمان، عن عباد بن


(١) أخرج الروايتين البخاري (الصحيح، النكاح، باب قول الرجل لأطوفن الليلة على نسائي ح ٥٢٤٢) وكتاب كفارات الأيمان، باب الاستثناء في الأيمان (ح ٦٧٢٠).
(٢) تقدم في الآية رقم (٥) وتبين أنه ضعيف السند.
(٣) قول أبي العالية أخرجه الطبري بسند جيد من طريق الربيع بن أنس عنه، وقول الحسن أخرجه الطبري والبيهقي (الأسماء والصفات ٣٦٦) بسند منقطع من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه بلاغًا عن الحسن.
(٤) أخرجه الطبري من طريق هشيم به، وأخرجه الحاكم من طريق الأعمش به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٤/ ٣٠٣) وقول الأعمش: تُرى ذهب كسائي هذا! ورد معناه في حاشية تفسير الطبري المحقق: يريد أنه لم ينقصه شيء بإسقاط ليث بن أبي سليم من الإسناد.
(٥) المعجم الكبير (١١/ ٦٨ ح ١١٠٦٩).
(٦) ذكره الطبري بنحوه ولكن فيه: "ولو بعد عشر سنين" بدل سنة.
(٧) أخرجه ابن أبي شيبة (المصنف ٨/ ٢٨٨)، والطبري بسند جيد من طريق ثابت بن جابان عن عكرمة.