للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال مجاهد: ﴿سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾ حجة بينة (١)، واختار ابن جرير قول الحسن وقتادة، وهو الأرجح لأنه لا بد مع الحق من قهر لمن عاداه وناوأه، ولهذا يقول تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ﴾ [الحديد: ٢٥].

وفي الحديث: "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" (٢) أي: ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام ما لا يمتنع كثير من الناس بالقرآن وما فيه من الوعيد الأكيد والتهديد الشديد، وهذا هو الواقع.

وقوله: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ﴾ الآية، تهديد ووعيد لكفار قريش، فإنه قد جاءهم من الله الحق الذي لا مرية فيه ولا قبل لهم به، وهو ما بعثه الله به من القرآن والإيمان والعلم النافع، وزهق باطلهم أي اضمحل وهلك؛ فإن الباطل لا ثبات له مع الحق ولا بقاء ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء: ١٨].

وقال البخاري: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد الله بن مسعود قال: دخل النبي مكة وحول البيت ستون وثلثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: "جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقًا. جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد" (٣). وكذا رواه البخاري أيضًا في غير هذا الموضع، ومسلم والترمذي والنسائي كلهم من طرق عن سفيان بن عيينة (٤) به، [وكذا رواه عبد الرزاق عن ابن أبي نجيح به] (٥) (٦).

وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا زهير، حدثنا شبابة، حدثنا المغيرة، حدثنا أبو الزبير، عن جابر قال: دخلنا مع رسول الله مكة وحول البيت ثلاثمائة وستون صنمًا تعبد من دون الله. فأمر بها رسول الله فأكبت على وجوهها، وقال: "جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا" (٧).


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) لم أجدهُ مسندًا ومعناه صحيح وقد ذكره ابن الأثير وبين معناه: أي من يكف عن ارتكاب العظائم مخافة السلطان أكثر ممن يكفه مخافة القرآن والله تعالى، يقال: وزعه يزعه وزعًا فهو وازع، إذا كفَّه ومَنَعه. (النهاية ٥/ ١٨٠).
(٣) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (الصحيح، التفسير، باب ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ﴾ ح ٤٧٢٠).
(٤) صحيح البخاري، المظالم، باب هل تكسر الدِّنان التي فيها خمر؟ (ح ٢٤٧٨)، وصحيح مسلم، الجهاد، باب إزالة الأصنام من حول الكعبة (ح ١٧٨١)، وسنن الترمذي التفسير، باب ومن سورة بني إسرائيل (ح ٣١٣٨)، والسنن الكبرى للنسائي، التفسير، باب قوله تعالى: ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ﴾ [الإسراء: ٨١] (ح ١١٢٩٧).
(٥) زيادة من (ح) و (حم).
(٦) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه، وسنده صحيح.
(٧) أخرجه ابن أبي شيبة عن شبابة بن سوار به (المصنف ١٤/ ٤٨٧)، وحسن سنده الحافظ ابن حجر في المطالب العالية (ح ٤٣٦٤)، ويشهد له الحديث السابق عن ابن مسعود . وذكره السيوطي في الدر المنثور ونسبه إلى أبي يعلى وغيره.