للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يري الرجل عينيه ما لم تريا" (١).

وفي الصحيح "من تحلم حلمًا كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين وليس بفاعل" (٢).

وقوله: ﴿كُلُّ أُولَئِكَ﴾ أي: هذه الصفات من السمع والبصر والفؤاد ﴿كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ أي: سيسأل العبد عنها يوم القيامة، وتسأل عنه عما عمل فيها، ويصح استعمال أولئك مكان تلك، كما قال الشارع (٣):

ذُمَّ المنازلَ بعد منزلة اللِّوى … والعيش بعد أولئك الأيام

﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (٣٧) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (٣٨)﴾.

يقول تعالى ناهيًا عباده عن التجبر والتبختر في المشية ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا﴾ أي: متبخترًا متمايلًا مشي الجبارين ﴿إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ﴾ أي: لن تقطع الأرض بمشيك، قاله ابن جرير: واستشهد عليه بقول رؤبة بن العجاج (٤):

وقاتم (٥) الأعماق (٦) خاوي (٧) المخترق (٨)

وقوله: ﴿وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾ أي: بتمايلك وفخرك وإعجابك بنفسك، بل قد يجازي فاعل ذلك بنقيض قصده، كما ثبت في الصحيح: "بينما رجل يمشي فيمن كان قبلكم وعليه بردان يتبختر فيهما، إذ خسف به الأرض فهو يتجلجل (٩) فيها إلى يوم القيامة" (١٠) وكذلك أخبر الله تعالى عن قارون أنه خرج على قومه في زينته، وأن الله تعالى خسف به وبداره الأرض.

وفي الحديث "من تواضع لله رفعه الله، فهو في نفسه حقير وعند الناس كبير، ومن استكبر وضعه الله فهو في نفسه كبير وعند الناس حقير، حتى لهو أبغض إليهم من الكلب والخنزير" (١١).


(١) أخرجه البخاري من حديث ابن عمر (الصحيح، التعبير باب من كذب في حلمه ح ٧٠٤٣).
(٢) المصدر السابق (ح ٧٠٤٢).
(٣) هو جرير، والبيت في ديوانه ص ٤٥٢. واستشهد به الإمام الطبري.
(٤) ذكره الطبري، والبيت ذكره أيضًا ابن قتيبة (الشعر والشعراء ١/ ٦١). وهو صدر بيت عجزه: مشتبه الأعلام لمّاع الخفَق.
(٥) من القَتَمة وهي الغبرة المائلة إلى الحمرة.
(٦) جمع عمق وهو ما بعد من أطراف الصحراء.
(٧) أي: الخالى.
(٨) أي: مكان الاختراق، خرجت الأرض إذ جبتها.
(٩) أي: يغوص في الأرض، والجلجلة حركة مع صوت (النهاية ١/ ٢٨٤).
(١٠) أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة (الصحيح البخاري، اللباس، باب من جر ثوبه من الخيلاء ح ٥٧٨٩، وصحيح مسلم، اللباس، باب تحريم التبختر في المشي ح ٢٠٨٨).
(١١) أخرجه الطبراني (المعجم الأوسط ٨/ ١٧٢ ح ٨٣٠٧)، والخطيب البغدادي (تاريخ بغداد ٢/ ١١٠)، كلاهما من طريق سعيد بن سلام العطار عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عابس بن ربيعة عن عمر بن الخطاب. قال الهيثمي: في إسناده سعيد بن سلام العطار وهو كذاب (مجمع الزوائد ٨/ ٨٥)، وصححه الألباني بطرقه في السلسلة الصحيحة (ح ٢٣٢٨)، والصحيح أن شطره الأول هو الصحيح (ينظر: صحيح مسلم، البر، باب استحباب العفو والتواضع ح ٢٥٨٨).