للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد أخذ الإمام الحبر ابن عباس من عموم هذه الآية الكريمة ولاية معاوية السلطنة أنه سيملك لأنه كان وليَّ عثمان، وقد قتل مظلومًا ، وكان معاوية يطالب عليًا أن يسلمه قتلته حتى يقتصّ منهم؛ لأنه أموي، وكان علي يستمهله في الأمر حتى يتمكن ويفعل ذلك، ويطلب علي من معاوية أن يسلمه الشام فيأبى معاوية ذلك، حتى يسلمه القتلة، وأبى أن يبايع عليًا هو وأهل الشام، ثم مع المطاولة تمكن معاوية وصار الأمر إليه، كما قال ابن عباس واستنبطه من هذه الآية الكريمة، وهذا من الأمر العجب.

وقد روى ذلك الطبراني في معجمه حيث قال: حدثنا يحيى بن عبد الباقي، حدثنا أبو عمير بن النحاس، حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شَوْذَب عن مطر الوراق، عن زهدم الجرمي قال: كنا في سمر ابن عباس فقال: إني محدثكم بحديث ليس بسرٍّ ولا علانية؛ إنه لما كان من أمر هذا الرجل ما كان (يعني عثمان)، قلت لعلي: اعتزل فلو كنتَ في جحرٍ طُلبت حتى تُستخرج فعصاني، وايم الله ليتأمرنَّ عليكم معاوية، وذلك أن الله يقول: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ﴾ الآية، وليحملنكم قريش على سنة فارس والروم، وليقيمنَّ عليكم النصارى واليهود والمجوس، فمن أخذ منكم يومئذٍ بما يعرف نجا، ومن ترك -وأنتم تاركون- كنتم كقرن من القرون هلك فيمن هلك (١).

وقوله: ﴿فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ﴾ قالوا: معناه فلا يسرف الولي في قتل القاتل بأن يمثل به أو يقتص من غير القاتل. وقوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾ أي: إن الولي منصور على القاتل شرعًا وغالبًا قدرًا.

﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (٣٤) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٣٥)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ أي: لا تتصرفوا في مال اليتيم إلا بالغبطة ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ [النساء: ٢] ﴿وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦].

وقد جاء في صحيح مسلم أن رسول الله قال لأبي ذرّ: "يا أبا ذرّ إني أراك ضعيفًا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي: لا تأمرن على اثنين، ولا تَولَّينَ مال اليتيم" (٢).

وقوله: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ﴾ أي: الذي تعاهدون عليه الناس والعقود التي تعاملونهم بها، فإن العهد والعقد كل منهما يسأل صاحبه عنه ﴿إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ أي عنه.

وقوله: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ﴾ أي: من غير تطفيف ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ﴿وَزِنُوا


= النظرين ح ٦٨٨٠، وصحيح مسلم، الحج، باب تحريم مكة مصيرها … ح ١٣٥٥).
(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه (المعجم الكبير ١٠/ ٣٢٠ ح ١٠٦١٣) وفي سنده مطر الوراق صدوق كثير الخطأ (التقريب ص ٥٣٤) وقال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم (مجمع الزوائد ٧/ ٢٣٩).
(٢) صحيح مسلم، الإمارة، باب كراهة الإمارة بغير ضرورة (ح ١٨٢٦).