للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عبيدة [الحداد] (١)، حدثنا سُكين بن عبد العزيز، حدثنا إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : "ما عال من اقتصد" (٢).

وقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِر﴾ إخبارًا أنه تعالى هو الرزاق القابض الباسط المتصرف في خلقه بما يشاء، فيغني من يشاء، ويفقر من يشاء لما له في ذلك من الحكمة، ولهذا قال: ﴿إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ أي: خبيرًا بصيرًا بمن يستحق الغنى ويستحق الفقر، كما جاء في الحديث: "إن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه، وإن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه" (٣). وقد يكون الغنى في حق بعض الناس استدراجًا، والفقر عقوبة، عياذًا بالله من هذا وهذا.

﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (٣١)﴾.

هذه الآية الكريمة دالة على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالد بولده، لأنه نهى عن قتل الأولاد كما أوصى الآباء بالأولاد في الميراث، وكان أهل الجاهلية لا يورثون البنات بل كان أحدهم ربما قتل ابنته لئلا تكثر عيلته، فنهى الله تعالى عن ذلك وقال: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾ أي: خوف أن تفتقروا في ثاني حال، ولهذا قدم الاهتمام برزقهم فقال: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾ وفي الأنعام: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾ [الأنعام: ١٥١] أي: من فقر ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ [الأنعام: ١٥١].

وقوله: ﴿إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾ أي: ذنبًا عظيمًا، وقرأ بعضهم: كان خطأ كبيرًا وهو بمعناه، وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم: قال: "أن تجعل لله ندًا وهو خلقك -قلت: ثم أي؟ - قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك -قلت: ثم أي؟ - قال: أن تزاني بحليلة جارك" (٤).

﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (٣٢)﴾.

يقول تعالى ناهيًا عباده عن الزنا وعن مقاربته ومخالطة أسبابه ودواعيه ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ


= أحمد من طريق أبي معاوية به (المسند ٣٨/ ٦٠ ح ٢٢٩٦٢)، وقال محققوه: رجاله ثقات رجال الشيخين غير الأعمش لم يسمع من ابن بريدة فيما يظن أبي معاوية، وهو محمد بن خازم الضرير، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (ح ٢٦٨).
(١) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صحف إلى: "الجعاد".
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وضعفه محققوه لضعف إبراهيم الهجري (المسند ٧/ ٣٠٢ ح ٤٢٦٩).
(٣) أخرجه أبو نعيم من طريق الحسن بن يحيى الخشني عن صدقة بن عبد الله عن هشام الكناني عن أنس (حلية الأولياء ٨/ ٣١٨) قال ابن رجب: الحسن بن يحيى الخشني عن صدقة بن عبد الله الدمشقي الدمشقي وهما ضعيفان (جامع العلوم والحكم ص ٣١٤) وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في العلل المتناهية (١/ ١٣١).
(٤) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة آية ١٦٥.