للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ أي: في التبذير والسفه وترك طاعة الله وارتكاب معصيته، ولهذا قال: ﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ أي: جحودًا؛ لأنه أنكر نعمة الله عليه ولم يعمل بطاعته؛ بل أقبل على معصيته ومخالفته.

وقوله: ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ﴾ الآية، أي: إذا سألك أقاربك ومن أمرناك بإعطائهم وليس عندك شيء، أعرضت عنهم لفقد النفقة ﴿فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا﴾ أي: عدهم وعدًا بسهولة ولين، إذا جاء رزق الله فسنصلكم إن شاء الله، هكذا فسر قوله: ﴿فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا﴾ بالوعد، مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغير واحد (١).

﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (٢٩) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (٣٠)﴾.

يقول تعالى آمرًا بالاقتصاد في العيش، ذامًا للبخل، ناهيًا عن السرف ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ﴾ أي: لا تكن بخيلًا منوعًا، لا تعطي أحدًا شيئًا، كما قالت اليهود -عليهم لعائن الله- ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾: [المائدة: ٦٤] أي: نسبوه إلى البخل، تعالى وتقدس الكريم الوهاب.

وقوله: ﴿وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ أي: ولا تسرف في الإنفاق، فتعطي فوق طاقتك، وتخرج أكثر من دخلك فتقعد ملومًا محسورًا، وهذا من باب اللف والنشر؛ أي: فتقعد إن بخلت ملومًا يلومك الناس ويذمونك ويستغنون عنك، كما قال زهير بن أبي سلمى في المعلقة:

ومن كان ذا مال فيبخل بماله … على قومه يستغن عنه ويذمم (٢)

ومتى بسطت يدك فوق طاقتك، قعدت بلا شيء تنفقه، فتكون كالحسير، وهو الدابَّة التي عجزت عن السير فوقفت ضعفًا وعجزًا، فإنها تسمى الحسير، وهو مأخوذ من الكلال، كما قال: ﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (٤)[الملك] أي: كليل عن أن يرى عيبًا، هكذا فسر هذه الآية بأن المراد هنا البخل والسرف: ابن عباس والحسن وقتادة وابن جريج وابن زيد وغيرهم (٣).


= أبي هلال عن أنس أنها مرسلة (المسند ١٩/ ٣٨٦ ح ١٢٣٩٤)، وأخرجه الحاكم من طريق الليث بن سعد به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٣٦٠)، وذكره الهيثمي وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٣/ ٦٦).
(١) قول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه بنحوه، وقول عكرمة أخرجه الطبري بسند حسن من طريق عمارة بن أبي حفصة عنه بنحوه، وقول سعيد بن جبير أخرجه الطبري بسند حسن من طريق عطاء بن السائب عنه، وقول الحسن أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه.
(٢) ديوان زهير ص ٣٠.
(٣) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عنه، وقول الحسن أخرجه الطبري بسند حسن من طريق عوف الأعرابي عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه.
وقول ابن جريج أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه الحسين وهو ابن داود ضعيف، وقول ابن زيد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عنه.