للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فتقدم إلى القبلة فصلى، ثم جاء فبسط رداءه وكنس الكناسة في ردائه، وكنس الناس، فلم يعظم الصخرة تعظيمًا يصلي وراءها وهي بين يديه كما أشار كعب الأحبار وهو من قوم يعظمونها حتى جعلوها قبلتهم، ولكن منَّ الله عليه بالإسلام فهدي إلى الحق، ولهذا لما أشار بذلك، قال له أمير المؤمنين عمر: ضاهيت اليهودية ولا أهانها إهانة النصارى الذين كانوا قد جعلوها مزبلة من أجل أنها قبلة اليهود، ولكن أماط عنها الأذى وكنس عنها الكناسة بردائه (١).

وهذا شبيه بما جاء في صحيح مسلم عن أبي مرثد الغنوي قال: قال رسول الله : "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها" (٢).

رواية أبي هريرة وهي مطولة جدًا وفيها غرابة:

قال الإمام أبو جعفر بن جرير في تفسير "سورة سبحان": حدثنا علي بن سهل، حدثنا حجاج، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية الرياحي، عن أبي هريرة أو غيره، شك أبو جعفر، في قول الله ﷿: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾ الآية، قال: جاء جبريل إلى النبي ومعه ميكائيل، فقال جبريل لميكائيل: ائتني بطست من ماء زمزم كيما أطهر له قلبه وأشرح له صدره، قال: فشقَّ عن بطنه فغسله ثلاث مرات، واختلف إليه ميكائيل بثلاث طِساس (٣) من ماء زمزم، فشرح صدره فنزع ما كان فيه من غلّ، وملأه علمًا وحلمًا وإيمانًا ويقينًا وإسلامًا، وختم بين كتفيه بخاتم النبوة، ثم أتاه بفرس فحمله عليه كل خطوة منه منتهى بصره أو أقصى بصره، قال: فسار وسار معه جبريل ، قال: فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال النبي : "يا جبريل ما هذا؟ " قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف، وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين.

ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر، كلما رضخت عادت كما كانت ولا يفتر عنهم من ذلك شيء، فقال: "ما هؤلاء يا جبريل؟ " قال: هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة.

ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع وعلى أدبارهم رقاع، يسرحون كما تسرح الإبل والغنم، ويأكلون الضريع (٤) والزقوم ورضف جهنم وحجارتها، قال: "فما هؤلاء يا جبريل؟ " قال: هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم وما ظلمهم الله تعالى شيئًا، وما الله بظلام للعبيد.

ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدر ولحم نيء في قدر خبيث، فجعلوا يأكلون من اللحم النيء الخبيث ويدعون النضيج الطيب، فقال: "ما هؤلاء يا جبريل؟ " فقال: هذا الرجل من أُمتك تكون عنده المرأة الحلال الطيبة، فيأتي امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح، والمرأة تقوم من عند زوجها حلالًا طيبًا فتأتي رجلًا خبيثًا فتبيت معه حتى تصبح.


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده بنحوه وضعف سنده محققوه لضعف أبي سنان وهو عيسى بن سنان الحنفي، (المسند ١/ ٣٧٠ ح ٢٦١).
(٢) صحيح مسلم، الجنائز، باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة إليه (ح ٩٧٢).
(٣) جمع طست وهو إناء.
(٤) الضريع: نبت له شوك كبار.