للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ﴾ [الزمر: ٢٣] فهو مثاني من وجه ومتشابه من وجه، وهو القرآن العظيم أيضًا، كما أنه لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى، فأشار إلى مسجده، والآية نزلت في مسجد قباء، فلا تنافي، فإن ذكر الشيء لا ينفي ذكر ما عداه إذا اشتركا في تلك الصفة، والله أعلم.

وقوله: ﴿لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ﴾ أي: استغن بما آتاك الله من القرآن العظيم عما هم فيه من المتاع والزهرة الفانية، ومن ههنا ذهب ابن عيينة إلى تفسير الحديث الصحيح (١): "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" (٢) إلى أنه يستغني به عما عداه، وهو تفسير صحيح ولكن ليس هو المقصود من الحديث كما تقدم في أول التفسير.

وقال ابن أبي حاتم: ذُكر عن وكيع بن الجراح، حدثنا موسى بن عبيدة، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبي رافع صاحب النبي قال: أضاف النبي ضيفًا ولم يكن عند النبي شيء يصلحه، فأرسل إلى رجل من اليهود: "يقول لك محمد رسول الله: أسلفني دقيقًا إلى هلال رجب" قال: لا، إلا برهنٍ، فأتيت النبي فأخبرته، فقال: "أما والله إني لأمين من في السماء وأمين من في الأرض، ولئن أسلفني أو باعني لأؤدين إليه" فلما خرجت من عنده نزلت هذه الآية ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. . .﴾ إلى آخر الآية [طه: ١٣١]، كأنه يعزيه عن الدنيا (٣).

قال العوفي، عن ابن عباس: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ قال: نهى الرجل أن يتمنى مال صاحبه (٤).

وقال مجاهد: ﴿إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ﴾ هم الأغنياء (٥).

﴿وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣)﴾.

يأمر تعالى نبيه أن يقول للناس: ﴿إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ﴾ البيِّن النذارة، نذير للناس من عذاب أليم أن يحل بهم على تكذيبه كما حل بمن تقدمهم من الأمم المكذبة لرسلها، وما أنزل الله عليهم من العذاب والانتقام.

وقوله: ﴿الْمُقْتَسِمِينَ﴾ أي: المتحالفين؛ أي: تحالفوا على مخالفة الأنبياء وتكذيبهم وأذاهم، كقوله تعالى إخبارًا عن قوم صالح أنهم ﴿قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ﴾ الآية [النمل: ٤٩] أي: نقتلهم ليلًا.

قال مجاهد: تقاسموا: تحالفوا (٦). ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ﴾


(١) أخرجه الطبري معلقًا عن ابن عُيينة.
(٢) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة (الصحيح، التوحيد، باب قول الله تعالى: ﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ﴾ [الملك: ١٣] ح ٧٥٢٧).
(٣) سنده ضعيف لضعف موسى بن عبيدة، وكذلك رواه ابن أبي حاتم معلقًا عن وكيع.
(٤) أخرجه الطبري بسند ضعيف عن العوفي به.
(٥) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٦) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بنحوه.