للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كالزور والسفر، وكيف ﴿دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ﴾ أي: خائفون.

وقد ذكر سبب خوفه منهم لما رأى أيديهم لا تصل إلى ما قرّبه إليهم من الضيافة، وهو العجل السمين الحنيذ

﴿قَالُوا لَا تَوْجَلْ﴾ أي: لا تخف، (وبشروه بغلام عليم) أي: إسحاق ، كما تقدم في سورة هود (١)،

ثم ﴿قَالَ﴾ متعجبًا من كبره وكبر زوجته ومتحققًا للوعد ﴿أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ﴾ فأجابوه مؤكدين لما بشروه به تحقيقًا وبشارة بعد بشارة

﴿قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (٥٥)﴾ وقرأ بعضهم: (القنطين) (٢)، فأجابهم بأنه ليس يقنط، ولكن يرجو من الله الولد، وإن كان قد كبر وأسنَّت امرأته فإنه يعلم من قدرة الله ورحمته ما هو أبلغ من ذلك.

﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (٦٠)﴾.

يقول تعالى إخبارًا عن إبراهيم لما ذهب عنه الروع وجاءته البشرى، أنه شرع يسألهم عما جاءوا له، فقالوا: ﴿إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ﴾ يعنون قوم لوط، وأخبروه أنهم سينجون آل لوط من بينهم إلا امرأته فإنها من المهلكين، ولهذا قالوا: ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (٦٠)﴾ أي: الباقين المهلكين.

﴿فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣) وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (٦٤)﴾.

يخبر تعالى عن لوط لما جاءته الملائكة في صورة شباب حسان الوجوه، فدخلوا عليه داره قال: ﴿إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣)﴾ يعنون بعذابهم وهلاكهم ودمارهم الذي كانوا يشكُّون في وقوعه بهم وحلوله بساحتهم

﴿وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقّ﴾ كما قال تعالى: ﴿مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الحجر: ٨]. وقوله: ﴿وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ تأكيد لخبرهم إياه بما أخبروه به من نجاته وإهلاك قومه.

﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (٦٦)﴾.

يذكر تعالى عن الملائكة أنهم أمروه أن يسري بأهله بعد مضي جانب من الليل، وأن يكون لوط يمشي وراءهم ليكون أحفظ لهم، وهكذا كان رسول الله يمشي في الغزو إنما يكون ساقة يزجي الضعيف ويحمل المنقطع (٣).


(١) أي قوله تعالى: ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ﴾ [هود: ٧١].
(٢) هي قراءة شاذة قرأ بها الأعمش ورويت عن أبي عمرو في غير المتواتر (ينظر: البحر المحيط ٥/ ٤٥٩).
(٣) أخرجه أبو داود من حديث جابر بنحوه (السنن، الجهاد، باب لزوم الساقة ح ٢٦٣٩)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٢٢٩٨).