للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عبيد الله بن بُسر، عن أُبي أمامة عن النبي في قوله: ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ﴾ قال: "يقرب إليه فيكرهه، فإذا أُدني منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره". يقول الله تعالى: ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ [محمد: ١٥]، ويقول: ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾ [الكهف: ٢٩] (١)، وهكذا رواه ابن جرير من حديث عبد الله بن المبارك به، ورواه هو وابن أبي حاتم من حديث بقيَّة بن الوليد، عن صفوان بن عمرو به (٢).

وقوله: ﴿يَتَجَرَّعُهُ﴾ أي: يتغصصه ويتكرهه؛ أي: يشربه قهرًا وقسرًا لا يضعه في فمه حتى يضربه الملك بمطراق من حديد، كما قال تعالى: ﴿وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١)[الحج].

﴿وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ﴾ أي: يزدَرِده لسوء طعمه ولونه وريحه وحرارته أو برده الذي لا يستطاع ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ أي: يألم له جميع بدنه وجوارحه وأعضائه.

قال عمرو بن ميمون بن مهران: من كل عظم وعصب وعرق (٣).

وقال عكرمة: حتى من أطراف شعره.

وقال إبراهيم التيمي: من موضع كل شعرة (٤) أي: من جسده حتى من أطراف شعره.

وقال ابن جرير: ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ أي: من أمامه وخلفه (٥)، وفي رواية: وعن يمينه وشماله، ومن فوقه ومن تحت أرجله، ومن سائر أعضاء جسده.

وقال الضحاك، عن ابن عباس: ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ قال: أنواع العذاب الذي يعذبه الله بها يوم القيامة في نار جهنم، ليس منها نوع إلا يأتيه الموت منه لو كان يموت، ولكن لا يموت، لأن الله تعالى قال: ﴿لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾ [فاطر: ٣٦] (٦)، ومعنى كلام ابن عباس : أنه ما من نوع من هذه الأنواع من العذاب إلا إذا ورد عليه اقتضى أن يموت منه لو كان يموت، ولكنه لا يموت ليخلد في دوام العذاب والنكال، ولهذا قال تعالى: ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾.

وقوله: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾ أي: وله من بعد هذه الحال عذاب آخر غليظ؛ أي: مؤلم صعب شديد أغلظ من الذي قبله، وأدهى وأمر، وهذا كما قال تعالى عن شجرة الزقوم: ﴿إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (٦٧) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨)[الصافات] فأخبر أنهم تارة


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وتوقف محققوه في الحكم عليه إذ قالوا: رجاله ثقات معروفون غير عبيد الله بن بسر فقد اختلف فيه (المسند ٣٦/ ٦١٥ ح ٢٢٢٨٥)، وأخرجه الحاكم من طريق عبيد الله بن بسر به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٣٥١).
(٢) أخرجه الطبري من عدة طرق عن ابن المبارك ومن طريق بقية.
(٣) ذكره السيوطي ونسبه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح من طريق العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي (المصنف ١٣/ ١٣٢) وكذا أخرجه الطبري وأبو نعيم (الحلية ٤/ ٢١٢).
(٥) ذكره الطبري بلفظ: "أمامه وقدَّامه".
(٦) ذكره السيوطي بنحوه ونسبه إلى ابن أبي حاتم، وسنده ضعيف لأن الضحاك لم يلق ابن عباس .