للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢] (١).

ويحتمل أن يكون هذا مرادًا وهذا مرادًا، كما أنهم استفتحوا على أنفسهم يوم بدر واستفتح رسول الله واستنصر، وقال الله تعالى للمشركين: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ الآية [الأنفال: ١٩]، والله أعلم.

﴿وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ أي: متجبر في نفسه عنيد معاند للحق، كقوله تعالى: ﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (٢٦)[ق].

وفي الحديث: "إنه يؤتى بجهنم يوم القيامة، فتنادي الخلائق، فتقول: إني وكلت بكل جبار عنيد. . ." (٢) الحديث. أي: خاب وخسر حين اجتهد الأنبياء في الابتهال إلى ربها العزيز المقتدر.

وقوله: ﴿مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ﴾ وراء هنا بمعنى: أمام، كما قال تعالى: ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ [الكهف: ٧٩] وكان ابن عباس يقرؤها: (وكان أمامهم ملك) (٣)؛ أي: من وراء الجبار العنيد جهنم؛ أي: هي له بالمرصاد يسكنها مخلدًا يوم المعاد، ويعرض عليها غدوًا وعشيًا إلى يوم التناد ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ﴾ أي: في النار ليس له شراب إلا من حميم وغساق، فهذا حار في غاية الحرارة، وهذا بارد في غاية البرد والنتن، كما قال: ﴿هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (٥٨)[ص].

وقال مجاهد وعكرمة: الصديد من القيح والدم (٤).

وقال قتادة: هو ما يسيل من لحمه وجلده (٥).

وفي رواية عنه: الصديد ما يخرج من جوف الكافر قد خالط القيح والدم (٦).

وفي حديث شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: قلت: يا رسول الله ما طينة الخبال؟ قال: "صديد أهل النار" (٧). وفي رواية: "عصارة أهل النار" (٨).

وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن إسحاق، أنبأنا عبد الله، أخبرنا صفوان بن عمرو، عن


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب، وهو عبد الله، عن عبد الرحمن.
(٢) أخرجه الترمذي بنحوه من حديث أبي هريرة ثم قال: حسن غريب صحيح، (السنن، أبواب صفة جهنم، باب صفة النار ح ٢٥٧٤)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (ح ٢٠٨٣).
(٣) وهي قراءة شاذة تفسيرية.
(٤) قول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه بنحوه.
(٥) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٦) أخرجه الطبري بسند فيه مبهم عن الضحاك وليس عن قتادة.
(٧) أخرجه الإمام أحمد من طريق شهر به وأطول، وقال محققوه: حديث صحيح لغيره (المسند ٤٤/ ٥٧٨ ح ٢٧٦٠٣).
(٨) أخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا مطولًا (السنن، الأشربة، باب من شرب الخمر لم تُقبل له صلاة ح ٣٣٧٧)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ٢٧٢٢).