للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٧٧]. وقال: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٧)[الأعلى].

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع ويحيى بن سعيد، قالا: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن [المستودر] (١) أخي بني فهر قال: قال رسول الله : "ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم، فلينظر بم ترجع" وأشار بالسبابة (٢). رواه مسلم في صحيحه (٣).

وفي الحديث الآخر: أن رسول الله مرَّ بجدي أسك ميت، والأسك الصغير الأذنين، فقال: "والله للدنيا أهون على الله من هذا على أهله حين ألقوه" (٤).

﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (٢٧) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩)﴾.

يخبر تعالى عن قيل المشركين ﴿لَوْلَا﴾ أي: هلا ﴿أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾، كقولهم: ﴿فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾ [الأنبياء: ٥]. وقد تقدم الكلام على هذا غير مرة، وأن الله قادر على إجابة ما سألوا، وفي الحديث: إن الله أوحى إلى رسوله لما سألوه أن يحوّل لهم الصفا ذهبًا، وأن يجري لهم ينبوعًا، وأن يزيح الجبال من حول مكة، فيصير مكانها مروج وبساتين: إن شئت يا محمد أعطيتهم ذلك، فإن كفروا أعذبهم عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين، وإن شئت فتحت عليهم باب التوبة والرحمة، فقال: "بل تفتح لهم باب التوبة والرحمة" (٥)، ولهذا قال لرسوله: ﴿قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ﴾ أي: هو المضل والهادي سواء بعث الرسول بآية على وفق ما اقترحوا أو لم يجبهم إلى سؤالهم، فإن الهداية والإضلال ليس منوطًا بذلك ولا عدمه، كما قال: ﴿وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس: ١٠١]، وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٩٧)[يونس] وقال: ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (١١١)[الأنعام]، ولهذا قال: ﴿قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ﴾ أي: ويهدي إليه من أناب إلى الله ورجع إليه واستعان به وتضرع لديه

﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ﴾ أي: تطيب وتركن إلى جانب الله، وتسكن عند ذكره، وترضى به مولى ونصيرًا، ولهذا قال: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ أي: هو حقيق بذلك.

﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩)﴾ قال ابن أبي طلحة، عن ابن


(١) كذا في (حم) و (مح) والمسند، وفي الأصل صُحِّف إلى: "المسور".
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤/ ٢٢٨) وسنده صحيح.
(٣) أخرجه الإمام مسلم من طريق إسماعيل بن أبي خالد به (الصحيح، الجنة، باب فناء الدنيا ح ٢٨٥٨).
(٤) أخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله (الصحيح، مطلع كتاب الزهد والرقائق ح ٢٩٥٧).
(٥) أخرجه الإمام أحمد بنحوه وصحح سنده محققوه (المسند ٤/ ٦٠ ح ٢١٦٦).