للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والنصرة في الدنيا والآخرة: ﴿الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (٢٠)﴾ وليسوا كالمنافقين الذين إِذا عاهد أحدهم غدر، وإذا خاصم فجر، وإذا حدث كذب، وإذا ائتمن خان

﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ من صلة الأرحام والإحسان إليهم، وإلى الفقراء والمحاويج، وبذل المعروف، ﴿وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ أي: فيما يأتون وما يذرون من الأعمال، فيراقبون الله في ذلك، ويخافون سوء الحساب في الدار الآخرة، فلهذا أمرهم على السداد والاستقامة في جميع حركاتهم وسكناتهم، وجميع أحوالهم القاصرة والمتعدية

﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ﴾ أي: عن المحارم والمآثم، ففطموا أنفسهم عنها لله ﷿ ابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ بحدودها ومواقيتها وركوعها وسجودها وخشوعها، على الوجه الشرعي المرضي ﴿وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ أي: على الذين يجب عليهم الإنفاق لهم من زوجات وقرابات وأجانب من فقراء ومحاوبج ومساكين ﴿سِرًّا وَعَلَانِيَةً﴾ أي: في السر والجهر، لم يمنعهم من ذلك حال من الأحوال، آناء الليل وأطراف النهار ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾ أي: يدفعون القبيح بالحسن، فإذا آذاهم أحد قابلوه بالجميل صبرًا واحتمالًا وصفحًا وعفوًا، كقوله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥)[فصلت]، ولهذا قال مخبرًا عن هؤلاء السعداء المتصفين بهذه الصفات الحسنة بأن لهم عقبى الدار، ثم فسّر ذلك بقوله: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ والعدن: الإقامة؛ أي جنات إقامة يخلدون فيها.

وعن عبد الله بن عمرو أنه قال: إن في الجنة قصرًا يقال له: عدن، حوله البروج والمروج، فيه خمسة آلاف باب، على كل باب خمسة آلاف حِبَرة (١)، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد (٢).

وقال الضحاك في قوله: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾: مدينة الجنة، فيها الرسل والأنبياء والشهداء وأئمة الهدى، والناس حولهم بعد والجنات حولها. رواهما ابن جرير (٣).

وقوله: ﴿وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ﴾ أي: يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء والأهلين والأبناء، ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين، لتقر أعينهم بهم حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى من غير تنقيص لذلك الأعلى عن درجته، بل امتنانًا من الله وإحسانًا. كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ (٤) بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ [الطور: ٢١].

وقوله: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤)﴾ أي: وتدخل عليهم الملائكة من ههنا ومن ههنا للتهنئة بدخول الجنة، فعند دخولهم إياها تفد عليهم الملائكة مسلّمين، مهنئين لهم بما حصل لهم من الله من التقريب والإنعام والإقامة في دار السلام في جوار الصديقين والأنبياء والرسل الكرام.


(١) الحبَرة - بكسر الحاء وفتح الباء -: ضرب من برود اليمن منمَّر.
(٢) أخرجه الطبري وفي سنده علي بن جرير، أشار الأستاذ محمود شاكر إلى أنه مجهول.
(٣) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق جويبر عن الضحاك.
(٤) في الأصل: "ذرياتهم" وهي قراءة متواترة أيضًا.