للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يسمعه لا يخفى عليه شيء، كقوله: ﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (٧)[طه]، وقال: ﴿وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ [النمل: ٢٥].

قالت عائشة : سبحان الذي وسع سمعه الأصوات، والله لقد جاءت المجادلة تشتكي زوجها إلى رسول الله ، وأنا في جنب البيت، وإنه ليخفى عليَّ بعض كلامها، فأنزل الله ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١)[المجادلة] (١).

وقوله: ﴿وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ﴾ أي: مختف في قعر بيته في ظلام الليل، ﴿وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾ أي: ظاهر ماش في بياض النهار وضيائه، فإن كليهما في علم الله على السواء، كقوله تعالى: ﴿أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [هود: ٥].

وقوله تعالى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٦١)[يونس].

وقوله: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ أي: للعبد ملائكة يتعاقبون عليه، حرس بالليل وحرس بالنهار، يحفظونه من الأسواء والحادثات، كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ الأعمال من خير أو شر، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فاثنان عن اليمين والشمال يكتبان الأعمال، صاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحد من ورائه وآخر من قدامه، فهو بين أربعة أملاك بالنهار، وأربعة أملاك بالليل، بدلًا حافظان وكاتبان، كما جاء في الصحيح: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيصعد إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بكم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون" (٢).

وفي الحديث الآخر: "إن معكم من لا يفارقكم إلا عند الخلاء وعند الجماع، فاستحيوهم وأكرموهم" (٣).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾: والمعقبات من الله هي الملائكة (٤).


(١) سيأتي تخريجه في مطلع سورة المجادلة.
(٢) أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة (صحيح البخاري، مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر ح ٥٥٥) وصحيح مسلم، المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر (ح ٦٣٢).
(٣) أخرجه الترمذي من طريق ليث بن أبي سليم عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا، وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه (السنن، الأدب، باب ما جاء في الاستتار عند الجماع ح ٢٨٠١)، وأخرجه البيهقي وضعفه (شعب الإيمان ح ٧٧٣٩)، وقال البغوي: ويروي عن ابن عمر بإسناد غريب. ثم ساق الحديث (شرح السنة ٩/ ٢٥)، وسنده ضعيف لما قيل في ليث بن أبي سليم، لأنه صدوق اختلط جدًا ولم يتميز حديثه فترك، كما في التقريب.
(٤) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به بنحوه.