للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وما يصنع به، فساق الله له سيارة، فنزلوا قريبًا من تلك البئر، وأرسلوا واردهم وهو الذي يتطلب لهم الماء، فلما جاء ذلك البئر وأدلى دلَّوه فيها، تشبث يوسف فيها فأخرجه واستبشر به، وقال: ﴿يَابُشْرَى هَذَا غُلَامٌ﴾ (١). وقرأ بعض القراء ﴿يَابُشْرَى﴾.

فزعم السدي أنه اسم رجل، ناداه ذلك الرجل الذي أدلى دلوه معلمًا له أنه أصاب غلامًا (٢)، وهذا القول من السدي غريب لأنه لم يسبق إلى تفسير هذه القراءة بهذا إلا في رواية عن ابن عباس، والله أعلم.

وإنما معنى القراءة على هذا النحو يرجع إلى القراءة الأخرى، ويكون قد أضاف البشرى إلى نفسه وحذف ياء الإضافة، وهو يريدها كما تقول العرب: يا نفس اصبري ويا غلام أقبل، بحذف حرف الإضافة، ويجوز الكسر حينئذٍ والرفع، وهذا منه، وتفسرها القراءة الأخرى يا بشراي، والله أعلم (٣).

وقوله: ﴿وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً﴾ أي: وأسره الواردون من بقية السيارة وقالوا: اشتريناه وتبضعناه من أصحاب الماء مخافة أن يشاركوهم فيه إذا علموا خبره، قاله مجاهد والسدي وابن جرير (٤)، هذا قول، وقال العوفي عن ابن عباس قوله: ﴿وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً﴾ يعني إخوة يوسف أسروا شأنه، وكتموا أن يكون أخاهم، وكتم يوسف شأنه مخافة أن يقتله إخوته، واختار البيع فذكره إخوته لوارد القوم، فنادى أصحابه ﴿يَابُشْرَى هَذَا غُلَامٌ﴾ يباع فباعه إخوته (٥).

وقوله: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ أي يعلم ما يفعله إخوة يوسف ومشتروه، وهو قادر على تغيير ذلك ودفعه، ولكن له حكمة وقدر سابق، فترك ذلك ليمضي ما قدره وقضاه ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٥٤] وفي هذا تعريض لرسوله محمد وإعلام له بأني عالم بأذى قومك لك، وأنا قادر على الإنكار عليهم، ولكني سأملي لهم ثم أجعل لك العاقبة والحكم عليهم، كما جعلت ليوسف الحكم والعاقبة على إخوته.

وقوله: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ﴾ يقول تعالى: وباعه إخوته بثمن قليل. قاله مجاهد وعكرمة (٦). والبخس: هو النقص، كما قال تعالى: ﴿فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا﴾ [الجن: ١٣] أي: اعتاض عنه إخوته بثمن دون قليل، ومع ذلك كانوا فيه من الزاهدين أي ليس لهم رغبة فيه، بل لو سئلوه بلا شيء لأجابوا.

قال ابن عباس ومجاهد والضحاك: إن الضمير في قوله: ﴿وَشَرَوْهُ﴾ عائد على إخوة


(١) "يا بشراي": قراءة متواترة.
(٢) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بأسانيد يقوي بعضها بعضًا.
(٣) ذكره الطبري بنحوه.
(٤) قول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول السدي أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسندين يقوي أحدهما الآخر.
(٥) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به.
(٦) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق جابر، وهو الجعفي: ضعيف، عن عكرمة، ومعناه صحيح، ونسبه السيوطي إلى الطبري عن مجاهد.