للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد اختلف العلماء في هذه الأصناف الثمانية هل يجب استيعاب الدفع لها أو إلى ما أمكن منها؟ على قولين:

(أحدهما): أنه يجب ذلك وهو قول الشافعي وجماعة.

(والثاني): أنه لا يجب استيعابها بل يجوز الدفع إلى واحد منها ويعطي جميع الصدقة مع وجود الباقين وهو قول مالك وجماعة من السلف والخلف منهم عمر وحذيفة وابن عباس وأبو العالية وسعيد بن جبير وميمون بن مهران، قال ابن جرير: وهو قول جماعة عامة من أهل العلم.

وعلى هذا فإنما ذكرت الأصناف ههنا لبيان المصرف لا لوجوب استيعاب الإعطاء. ولوجوه الحِجاج والمآخذ مكان غير هذا والله أعلم.

وإنما قدَّم الفقراء ههنا على البقية؛ لأنهم أحوج من غيرهم على المشهور ولشدة فاقتهم وحاجتهم، وعند أبي حنيفة أن المسكين أسوأ حالًا من الفقير وهو كما قال.

وقال ابن جرير: حدثني يعقوب، حدثنا ابن علية، أنبأنا ابن عون، عن محمد قال: قال عمر : الفقير ليس بالذي لا مال له، ولكن الفقير الأخلق الكسب. قال ابن علية: الأخلق المحارف (١) عندنا (٢).

والجمهور على خلافه وروي عن ابن عباس ومجاهد والحسن البصري وابن زيد (٣).

واختار ابن جرير وغير واحد أن الفقير هو المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئًا والمسكين هو الذي يسأل ويطوف ويتبع الناس.

وقال قتادة: الفقير من به زمانة والمسكين الصحيح الجسم (٤).

وقال الثوري، عن منصور، عن إبراهيم هم: فقراء المهاجرين (٥)، قال سفيان الثوري: يعني ولا يعطى الأعراب منها شيئًا، وكذا روي عن سعيد بن جبير وسعيد بن عبد الرحمن بن أبزى (٦).


(١) المحارف الذي لا يملك مالًا ينميه.
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده منقطع لابن محمد وهو ابن سيرين، وأما سنده إلى ابن علية وهو إسماعيل فصحيح.
(٣) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عنه بلفظ: "المساكين" الطوافون، والفقراء فقراء المسلمين، وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه بلفظ: "الفقراء الذين لا يسألون الناس، والمساكين: الذين يسألون"، وقول الحسن أخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق أشعث عنه بنحو قول مجاهد، وقول ابن زيد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب بنحو سابقه.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق معمر عن قتادة.
(٥) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق الثوري به.
(٦) هذا القول المنسوب إلى الثوري غريب لم أجد مفسرًا نقله بهذا اللفظ سوى الطبري وقد أخرجه ابن أبي حاتم وأبو عبيد (الأموال رقم ١٩٣٩)، وابن زنجويه في (الأموال رقم ٢٢٨٤) بدون ذكر قول سفيان، وأما ما نسبه الحافظ ابن كثير إلى سعيد بن جبير وسعيد بن عبد الرحمن فإنهما لم يروياه بهذا اللفظ الغريب وإنما أخرجه ابن أبي شيبة بسند حسن من طريق جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير بلفظ: "يعطى من =