للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال حذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس وغيرهما في تفسير ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ إنهم اتبعوهم فيما حلَّلوا وحرَّموا (١).

وقال السدي: استنصحوا الرجال ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا﴾ أي: الذي إذا حرَّم الشيء فهو الحرام، وما حلّله فهو الحلال، وما شرعه اتبع وما حكم به نفذ ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي: تعالى وتقدس وتنزه عن الشركاء والنظراء والأعوان والأضداد والأولاد، لا إله إلا هو ولا ربَّ سواه.

﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣)﴾.

يقول تعالى: يريد هؤلاء الكفار من المشركين وأهل الكتاب ﴿أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ﴾ أي: ما بعث به رسول الله من الهدى ودين الحق بمجرد جدالهم وافترائهم، فمثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يطفيء شعاع الشمس أو نور القمر بنفخه، وهذا لا سبيل إليه، فكذلك ما أرسل به رسول الله لابدّ أن يتم ويظهر، ولهذا قال تعالى مقابلًا لهم فيما راموه وأرادوه: ﴿وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ والكافر هو الذي يستر الشيء ويغطيه ومنه سمي الليل كافرًا؛ لأنه يستر الأشياء، والزارع كافرًا لأنه يغطي الحب في الأرض كما قال ﴿أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ﴾ [الحديد: ٢٠].

ثم قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ﴾ فالهدى هو ما جاء به من الإخبارات الصادقة والإيمان الصحيح والعلم النافع، ودين الحق هي الأعمال الصالحة الصحيحة النافعة في الدنيا والآخرة.

﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ أي: على سائر الأديان كما ثبت في الصحيح عن رسول الله أنه قال: "إن الله زوى (٢) ليَّ الأرض مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها" (٣).

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن محمد بن أبي يعقوب، سمعت شقيق بن حيان يحدث عن مسعود بن قبيصة أو قبيصة بن مسعود يقول: صلَّى هذا الحي من محارب الصبح، فلما صلَّوا قال شاب منهم: سمعت رسول الله يقول: "إنه ستفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها، وإن عمالها في النار إلا من اتقى الله وأدَّى الأمانة" (٤).

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان، حدثنا سليم بن عامر، عن تميم الداريّ قال: سمعت رسول الله يقول: "ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا


(١) قول حذيفة أخرجه عبد الرزاق والثوري والطبري وابن أبي حاتم كلهم من طريق أبي البختري عنه، وسنده منقطع لأن أبا البختري -واسمه فيروز- لم يسمع من حذيفة، وقول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عطية العوفي عنه.
(٢) زوى أي: جمع.
(٣) أخرجه مسلم من حديث ثوبان (الصحيح، الفتن، باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض ح ٢٨٨٩).
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣٨/ ١٩٤ ح ٢٣١٠٩)، وضعف سنده محققوه لجهالة شقيق بن حيان ومسعود بن قبيصة.