للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التأليف وانتشار التصانيف، وتردد الطلبة إليه من سائر الآفاق (١).

فإذا ثبت ذلك أنه شيخه فيدل أنه قد أخذ علم الحديث الشريف مبكرًا جدًا وهو في سن الرابعة من عمره.

ويكون بذلك قد بدأ بتعلم القرآن الكريم والسنة المشرفة مبكرًا جدًا ليمتلأ قلبه بالنور والهداية، إنها بداية عظيمة وانطلاقة حكيمة حظي بها الحافظ بتدبير من الله تعالى لتهيئة هذا الحافظ لمهمة عظيمة كما سيأتي ذكره في أعماله ومصنفاته.

وفي العقد الثاني من عمره أخذ ينهل مبكرًا من كبار علماء دمشق في شتى العلوم ومنها أنه تدرب على الكتابة بالأخذ عن الشيخ نجم الدين موسى بن علي بن محمد الجيلي ثم الدمشقي، فقد وصفه في تاريخه بقوله: الكاتب الفاضل المعروف بابن البصيص، شيخ صناعة الكتابة في زمانه، وقد أقام يُكتِّب الناس خمسين سنة، وأنا ممن كتب عليه أثابه الله. اهـ. وقد ذكره ضمن الذين ماتوا سنة (٧١٦ هـ)، وقد يكون هذا التدريب في العقد الأول من عمره (٢).

وكذلك في هذه الفترة من عمره أخذ عن الشيخ عيسى بن المطعم (ت ٧١٩ هـ) الذي اشتهر بسماعه لصحيح البخاري (٣).

كما سمع مبكرًا أيضًا سنة (٧٢٤ هـ) صحيح مسلم من الوزير العالم محمد بن محمد الغرناطي الأندلسي في تسعة مجالس على الشيخ العلامة نجم الدين العسقلاني (٤)، وسمع سنن الدارقطني من الشيخ الحافظ أبي زكريا محيي الدين يحيى بن الفاضل جمال الدين الشيباني الشافعي (ت ٧٢٤ هـ) (٥).

وقد واكب هذه القراءة والحفظ للقرآن والسنة سلوك عملي يتحرك في شخصية الحافظ ابن كثير منذ صغره، حيث أدرك شيخ الإسلام ابن تيمية (ت ٧٢٨ هـ) وحظي بالتفقه عليه، وتأثر بشخصيته وعلمه وعمله، وكان معجبًا بمقدمة شيخ الإسلام في أصول التفسير، ولهذا توّج بها مقدمة تفسيره، ولم ينسبها إلى شيخ الإسلام ليستفيد منها أكبر عدد ممكن من الناس لأن البعض كان لا يعرف حقيقة شيخ الإسلام ابن تيمية بل كان التشويش حول شيخ الإسلام يعتري أسماع بعضهم، ومن هنا تتجلى شخصية الحافظ ابن كثير منذ ريعان شبابه لأنه تأثر بذلك الإمام المجدد.

قال الحافظ ابن حجر: وأخذ عن ابن تيمية ففتن بحبه وامتحن لسببه (٦)، وخصوصًا عندما أفتى في مسألة الطلاق الثلاث بلفظ واحد، كما حظي بملازمة الحافظ المزي وقرأ عليه "تهذيب الكمال" وصاهره على ابنته (٧).

وقد أخذ أيضًا عن كبار شيوخ الشام آنذاك كالحافظ الذهبي (ت ٧٤٨ هـ)، وابن الشحنة (ت ٧٢٠ هـ)، والفزاري (ت ٧٢٩ هـ)، وابن قاضي شهبة (ت ٧٢٦ هـ)، والإمام الأصولي شمس الدين


(١) "البداية والنهاية" (١٤/ ٤٠).
(٢) "البداية والنهاية" (١٤/ ٧٥ - ٧٩).
(٣) ينظر: "معجم الشيوخ" للإمام الذهبي (ل ١٠٩).
(٤) ينظر: "البداية والنهاية" (١٤/ ١٤٩).
(٥) ينظر: "البداية والنهاية" (١٤/ ١١٥).
(٦) "الدرر الكامنة" (١/ ٣٧٤).
(٧) ينظر: المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>