للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* ولادته ونشأته وعائلته:

ولد الحافظ ابن كثير في مطلع القرن الثامن سنة (٧٠١ هـ) على الراجح (١) في منطقة بُصرى قرب دمشق، وقد نشأ في عائلة علمية مرموقة، إذ اتسمت عائلة الحافظ ابن كثير بقيادة المنابر ورفع لواء العلم، فقد تسلم أبوه أحد منابر العلم إذ كان خطيبًا (٢)، ومن أعضاء عائلته الذين تأثر بهم: أخوه الأكبر عبد الوهاب الذي أخذ عنه الحافظ وحظي برعايته والاستفادة من علمه بعد وفاة أبيه، وخصوصًا أن أباه قد توفي مبكرًا سنة (٧٠٣ هـ) وعمر الحافظ سنتان.

ومن عائلته زوجته الصالحة زينب بنت يوسف المزي وكانت حافظة للقرآن الكريم، قرأت القرآن على أُمها عائشة بنت صديق زوجة الشيخ جمال الدين المزي، وأُمها قرأت على الشيخة الصالحة العابدة الناسكة فاطمة بنت عباس بن أبي الفتح بن محمد البغدادية (٣).

* طلبه للعلم:

قضى الحافظ ابن كثير ست سنوات في بُصرى ثم انتقل إلى دمشق سنة (٧٠٧ هـ)، وقد بدأ الحافظ طلبه للعلم بحفظ القرآن الكريم وأتمَّ حفظه ولم يتجاوز العاشرة من عمره، إذ ختم القرآن الكريم في سنة إحدى عشرة وسبعمائة على الشيخ المقرئ المحدث أبي عبد الله محمد بن حسين بن غيلان الحنبلي (ت ٧٣٠ هـ)، وقد ذكر ذلك الحافظ ابن كثير في تأريخه، ووصفه بالشيخ الصالح العابد الناسك الخاشع إمام مسجد السلالين (٤).

ثم أخذ عن الشيخ محمد بن جعفر بن فرعوش ابن اللباد (ت ٧٢٤ هـ) فقرأ عليه شيئًا من القراءات (٥).

ويعتبر حفظ القرآن دعامة أساسية لمن يريد أن يلج باب التفسير وخاصة في تفسير القرآن بالقرآن حيث يسهل عليه استحضار الآيات التي تفسر بعضها بعضًا، ويعرف ما تقدم تفسيره فيسهل عليه الوقوف على تكرار بعض الألفاظ والآيات بسهولة، كما يسهل عليه سياق الروايات حيث يرتب الروايات التي سمعها أو كتبها حسب علاقتها بالآي القرآني، فمتى ما أراد مراجعتها فباستحضاره الآية يستطيع أن يستحضر الروايات المتعلقة بها.

والعجيب أن الحافظ ابن كثير ترجم للحافظ برهان الدين الدمياطي (ت ٧٠٥ هـ) ووصفه بقوله: شيخنا العلامة برهان الدين الحافظ الكبير الدمياطي، حامل لواء هذا الفن -أعني صناعة الحديث وعلم اللغة- في زمانه مع كبر السن والقدر، وعلو الإسناد وكثرة الرواية، وجودة الدراية، وحسن


(١) إن تحديد سنة مولد الحافظ ابن كثير اختلف فيه الذين ترجموا له إلى عصرنا الحاضر فمنهم من قال: إنه في سنة (٧٠٠ هـ)، وبعضهم جعله في سنة (٧٠١ هـ)، وبعضهم قال: إنه في (٧٠٢ هـ)، ومنهم من قال: إنه في سنة (٧٠٣ هـ)، والقول الفيصل ما قاله الحافظ ابن كثير عن نفسه فهو أدرى من غيره على الإطلاق فقد صرح أنه ولد سنة (٧٠١ هـ) بل كتب ذلك بخط يده كما وجدته في ثبت النذرومي "الأعلام للزركلي" (١/ ٣٢٠).
(٢) ينظر: "البداية والنهاية" (١٤/ ٣١ - ٣٣).
(٣) ينظر: "البداية والنهاية" (١٤/ ٧٢).
(٤) ينظر: "البداية والنهاية" (١٤/ ١١٨).
(٥) ينظر: المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>