للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (٤١)[النازعات] ولهذا قال سفيان الثوري: سمعت السدي يقول في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾. قال: هو الرجل يريد أن يظلم أو قال يهم بمعصية فيقال له: اتقِّ الله فيجلّ قلبه (١).

وقال الثوري أيضًا عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن شهر بن حوشب [عن أبي الدرداء] (٢) في قوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ قال: الوجل في القلب كاحتراق السعفة، أما تجد له قشعريرة؟ قال: بلى. قالت: إذا وجدت ذلك فادع الله عند ذلك، فإن الدعاء يذهب ذلك (٣).

وقوله: ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾، كقوله: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤)[التوبة].

وقد استدلَّ البخاري وغيره من الأئمة بهذه الآية وأشباهها على زيادة الإيمان وتفاضله في القلوب، كما هو مذهب جمهور الأُمة، بل قد حكى الإجماع عليه غير واحد من الأئمة كالشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد، كما بينا ذلك مستقصى في أول شرح البخاري، ولله الحمد والمنة.

﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ أي: لا يرجون سواه ولا يقصدون إلا إياه ولا يلوذون إلا بجنابه، ولا يطلبون الحوائج إلا منه، ولا يرغبون إلا إليه، ويعلمون أنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه المتصرف في الملك، وحده لا شريك له ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب، ولهذا قال سعيد بن جبير: التوكل على الله جماع الإيمان (٤).

وقوله: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)﴾ ينبه تعالى بذلك على أعمالهم بعدما ذكر اعتقادهم وهذه الأعمال تشمل أنواع الخير كلها، وهو إقامة الصلاة وهو حق الله تعالى.

وقال قتادة: إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها (٥).

وقال مقاتل بن حيان: إقامتها المحافظة على مواقيتها وإسباغ الطهور فيها وتمام ركوعها وسجودها وتلاوة القرآن فيها والتشهد والصلاة على النبي هذا إقامتها (٦). والإنفاق مما رزقهم الله يشمل إخراج الزكاة وسائر الحقوق للعباد من واجب ومستحب. والخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لخلقه.

قال قتادة في قوله: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾، فأنفقوا مما رزقكم الله فإنما هذه الأموال عواري


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق ابن المبارك عن الثوري به.
(٢) كذا في (عم) و (حم) و (مح) وتفسير الطبري وفي الأصل: "عن أم الدرداء".
(٣) أخرجه الطبري من طريق الثوري به. وسنده منقطع لأن شهرًا لم يسمع من أبي الدرداء (جامع التحصيل ص ٢٤٠).
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح من طريق محمد بن فضيل عن أبي سنان ضرار بن مرة عن سعيد بن جبير (المصنف ١٣/ ٥٣٨ رقم ١٧١٩١).
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان.