للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المقام من الأول، والله أعلم، ولهذا قال: ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾. ولهذا لما جاء جبريل في صورة أعرابي ليعلّم الناس أمر دينهم، فجلس من رسول الله مجلس السائل المسترشد، وسأله عن الإسلام، ثم عن الإيمان، ثم عن الإحسان، ثم قال: فمتى الساعة؟ قال له رسول الله : "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" أي: لست أعلم بها منك ولا أحد بها من أحد، ثم قرأ النبي : ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ الآية (١) [لقمان: ٣٤].

وفي رواية فسأله عن أشراط الساعة، فبيّن له أشراط الساعة، ثم قال: "في خمس لا يعلمهن إلا الله" وقرأ هذه الآية، وفي هذا كلّه يقول له بعد كل جواب: صدقت، ولهذا عجب الصحابة من هذا السائل يسأله ويصدقه، ثم لما انصرف قال رسول الله : "هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم" وفي رواية قال: "وما أتاني في صورة إلا عرفته فيها إلا صورته هذه" (٢) وقد ذكرت هذا الحديث بطرقه وألفاظه من الصحاح والحسان والمسانيد في أول شرح البخاري، ولله الحمد والمنة.

ولما سأله ذلك الأعرابي وناداه بصوت جهوري فقال: يا محمد، قال له رسول الله : "هاؤم" على نحو من صوته، قال: يا محمد متى الساعة؟ فقال له رسول الله : "ويحك إن الساعة آتية فما أعددت لها"؟ قال: ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام، ولكني أحب الله ورسوله، فقال له رسول الله : "المرء مع من أحب"، فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث (٣)، وهذا له طرق متعددة في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة عن رسول الله أنه قال: المرء مع من أحب" وهي متواترة عند كثير من الحفاظ المتقنين، ففيه أنه كان إذا سئل عن هذا الذي لا يحتاجون إلى علمه أرشدهم إلى ما هو الأهم في حقهم، وهو الاستعداد لوقوع ذلك والتهيؤ له قبل نزوله وإن لم يعرفوا تعيين وقته. ولهذا قال مسلم في صحيحه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أبو أُسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة ، قالت: كانت الأعراب إذا قدموا على رسول الله سألوه عن الساعة: متى الساعة؟ فينظر إلى أحدث إنسان منهم فيقول: "إن يعش هذا لم يدركه الهرم حتى قامت عليكم ساعتكم" يعني بذلك موتهم الذي يفضي بهم إلى الحصول في برزخ الدار الآخرة (٤).

ثم قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يونس بن محمد، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس أن رجلًا سأل رسول الله عن الساعة، فقال رسول الله : "إن يعش هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة" انفرد به مسلم (٥).


(١) صحيح البخاري، الإيمان، باب سؤال جبريل النبي عن الإيمان (ح ٥٠)، وصحيح مسلم، الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام … (ح ٥).
(٢) أخرجه الإمام أحمد من حديث ابن عمر (المسند ١/ ٤٣٩ - ٤٤٠ ح ٣٧٤) وصحح سنده محققوه.
(٣) صحيح البخاري، فضائل الصحابة، باب مناقب عمر (ح ٣٦٨٨) وصحيح مسلم، البر والصلة، باب المرء مع من أحب (ح ٢٦٣٩).
(٤) صحيح مسلم، الفتن، باب قرب الساعة (ح ٢٩٥٢).
(٥) صحيح مسلم، الفتن، باب قرب الساعة (ح ٢٩٥٣).