للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا، ولتقومنّ الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه ولا يطويانه. ولتقومنّ الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومنّ الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومنّ الساعة والرجل قد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها" (١).

وقال مسلم في صحيحه: حدثني زهير بن حرب، حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة يبلغ به، قال: تقوم الساعة والرجل يحلب لقحته، فما يصل الإناء إلى فيه حتى تقوم الساعة والرجلان يتبايعان الثوب فما يتبايعانه حتى تقوم الساعة، والرجل يلوط حوضه فما يصدر حتى تقوم (٢).

وقوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا﴾ اختلف المفسرون في معناه:

فقيل: معناه كما قال العوفي، عن ابن عباس: ﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا﴾ يقول: كأن بينك وبينهم مودة كأنك صديق لهم، قال ابن عباس: لما سأل الناس النبي عن الساعة سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمدًا حفي بهم، فأوحى الله إليه إنما علمها عنده استأثر به، فلم يطلع الله عليها ملكًا مقربًا ولا رسولًا (٣).

وقال قتادة: قالت قريش لمحمد : إن بيننا وبينك قرابة فأسرّ إلينا متى الساعة؟ فقال الله ﷿: ﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا﴾ (٤). وكذا روي عن مجاهد وعكرمة وأبي مالك والسدي (٥)، وهذا قول.

والصحيح عن مجاهد من رواية ابن أبي نجيح وغيره ﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا﴾ قال: استحفيت عنها السؤال حتى علمت وقتها (٦)، وكذا قال الضحاك عن ابن عباس: ﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا﴾ يقول: كانك عالم بها لست تعلمها ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ (٧).

وقال [معمر] (٨)، عن بعضهم: ﴿كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا﴾ كأنك عالم بها (٩).

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ﴿كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا﴾ كأنك بها عالم وقد أخفى الله علمها على خلقه، وقرأ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ الآية [لقمان: ٣٤] (١٠)، وهذا القول أرجح في


(١) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (الصحيح، الرقاق، باب رقم ٤٠ ح ٦٥٠٦).
(٢) صحيح مسلم، الفتن، باب قرب الساعة (ح ٢٩٥٤).
(٣) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به.
(٤) أخرجه الطبري بسند مرسل عن قتادة، ويتقوى بالآثار التالية.
(٥) قول مجاهد سيأتي في الذي يليه، وقول عكرمة أخرجه الطبري بسندين يقوي أحدهما الآخر، وقول أبي مالك أخرجه الطبري بسند حسن، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه.
(٦) أخرجه الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وسنده صحيح.
(٧) سنده ضعيف لأن الضحاك لم يلق ابن عباس.
(٨) كذا في (حم) و (مح) و (عم) وفي الأصل صحفت إلى: "يعمر".
(٩) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق محمد بن ثور عن معمر.
(١٠) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن عبد الرحمن.