للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

واستكبروا عنها، وينبه تعالى على أنه الإيمان والعمل به سهل لأنه تعالى قال: ﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٤٢)

﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ﴾ أي: من حسد وبغض كما جاء في صحيح البخاري من حديث قتادة، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : "إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفسي بيده إن أحدهم بمنزله في الجنة أدل منه بمسكنه كان في الدنيا" (١).

وقال السدي في قوله: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ﴾ لآية: إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان فشربوا من إحداهما فينزع ما في صدورهم من غلّ فهو: الشراب الطهور واغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فلم يشعثوا ولم يشحبوا بعدها أبدًا (٢).

وقد روى أبو إسحاق عن عاصم، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب نحوًا من هذا (٣) كما سيأتي في قوله تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا﴾ [الزمر: ٧٣] إن شاء الله ربه وبه الثقة وعليه التكلان.

وقال قتادة: قال علي إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ﴾ رواه ابن جرير (٤).

وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن عيينة، عن إسرائيل قال سمعت الحسن يقول قال علي: فينا والله أهل بدر نزلت ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ﴾ (٥). وروى النسائي وابن مردويه واللفظ له من حديث أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "كل أهل الجنة يرى مقعده من النار"، فيقول: لولا أن الله هداني فيكون له شكرًا. وكل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول: "لو أن الله هداني فيكون له حسرة" (٦).

ولهذا لما أورثوا مقاعد أهل النار من الجنة نودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون؛ أي: بسبب أعمالكم نالتكم الرحمة فدخلتم الجنة وتبوأتم منازلكم بحسب أعمالكم. وإنما وجب الحمل على هذا لما ثبت في الصحيحين عنه أنه قال: "واعلموا أن أحدكم لن يدخله عمله


(١) صحيح البخاري، المظالم، باب قصاص المظالم (ح ٢٤٤٠).
(٢) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٣) أخرجه عبد الرزاق في تفسير سورة الزمر وعبد الله بن المبارك (الزهد ص ٥٠٨ ح ١٤٥٠)، والضياء المقدسي (المختارة ٢/ ١٦٠ ح ٥٤١)، من طريق حمزة الزيات عن أبي إسحاق به وصحح سنده محقق المختارة، وصححه الحافظ ابن حجر في المطالب العالية المسند (ل ١٩٨ - أ).
(٤) أخرجه الطبري من طريق معمر عن قتادة به، وقتادة لم يسمع عليًا ، ويتقوى بما يلي.
(٥) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه، والحسن لم يسمع عليًا ، ويتقوى بالمرسل السابق.
(٦) أخرجه النسائي (التفسير ح ٤٧٤)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٤٣٥)، وعزاه الهيثمي لأحمد وقال رجاله رجال الصحيح (المجمع ١٠/ ٣٩٩)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير (ح ٤٥١٤)، ويشهد له ما يليه وهو في الصحيحين.