للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كثيرًا ما يقرن بين طاعته وبر الوالدين كما قال: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥)[لقمان] فأمر بالإحسان إليهما وإن كانا مشركين بحسبهما، وقال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ الآية [البقرة: ٨٣]، والآيات في هذا كثيرة.

وفي الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال: سألت رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: "الصلاة على وقتها" قلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين" قلت: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"، قال ابن مسعود: حدثني بهن رسول الله ولو استزدته لزادني (١). وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه بسنده عن أبي الدرداء، وعن عبادة بن الصامت كل منهما يقول أوصاني خليلي رسول الله : "أطع والديك وإن أمراك أن تخرج لهما من الدنيا فافعل" ولكن في إسناديهما ضعف (٢)، والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ لما أوصى تعالى بالوالدين والأجداد عطف على ذلك الإحسان إلى الأبناء والأحفاد، فقال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ﴾ وذلك أنهم كانوا يقتلون أولادهم كما سولت لهم الشياطين ذلك، فكانوا يئدون البنات خشية العار، وربما قتلوا بعض الذكور خشية الافتقار، ولهذا ورد في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود ، أنه سأل رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندًا وهو خلقك" قلت: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك" قلت: ثم أي؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك" ثم تلا رسول الله : ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ﴾ الآية [الفرقان: ٦٨] (٣).

وقوله تعالى: ﴿مِنْ إِمْلَاقٍ﴾ قال ابن عباس وقتادة والسدي وغيره: هو الفقر؛ أي: ولا تقتلوهم من فقركم الحاصل (٤)، وقال في سورة سبحان ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ﴾ [الإسراء: ٣١] أي: لا تقتلوهم خوفًا من الفقر في الآجل، ولهذا قال هناك ﴿نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾ فبدأ برزقهم للاهتمام بهم، أي لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم فهو على الله، وأما في هذه الآية فلما كان الفقر حاصلًا قال: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ لأنه الأهم ههنا، والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ كقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٣)[الأعراف] وقد تقدم تفسيرها في قوله تعالى: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٠].

وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله : "لا أحد أغير من الله، من


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة آية ٨٣.
(٢) تقدم تخريج حديث عُبادة قبل الرواية السابقة.
(٣) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة آية ١٦٥.
(٤) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عنه، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه.