للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعوض قليل من الدنيا الفانية الزائلة ﴿وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ أي: ولو كان المشهود عليه قريبًا لنا لا نحابيه ﴿وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ﴾ أضافها إلى الله تشريفًا لها وتعظيمًا لأمرها، وقرأ بعضهم ﴿وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ﴾ مجرورًا على القسم رواها ابن جرير، عن عامر الشعبي (١). وحكي عن بعضهم أنه قرأها ﴿ولا نكتم شهادةَ الله﴾ والقراءة الأولى هي المشهورة (٢) ﴿إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ﴾ أي: إن فعلنا شيئًا من ذلك من تحريف الشهادة أو تبديلها أو تغييرها أو كتمها بالكلية.

ثم قال تعالى: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا﴾ أي: فإن اشتهر وظهر وتحقق من الشاهدين الوصيين أنهما خانا أو غلَّا شيئًا من المال الموصى به إليهما، وظهر عليهما بذلك ﴿فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ﴾ هذه قراءة الجمهور وروي عن علي وابي والحسن البصرى أنهم قرؤوها ﴿اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلِيَانِ﴾ (٣).

وروى الحاكم في المستدرك من طريق إسحاق بن محمد الفروي، عن سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب أن النبي قرأ ﴿مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ﴾، ثم قال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه (٤). وقرأ بعضهم ومنهم ابن عباس ﴿من الذين استحق عليهم الأولين﴾ (٥). وقرأ الحسن ﴿من الذين استحق عليهم الأولان﴾ حكاه ابن جرير (٦)، فعلى قراءة الجمهور يكون المعنى بذلك أي متى تحقق ذلك بالخبر الصحيح على خيانتهما، فليقم اثنان من الورثة المستحقين للتركة، وليكونا من أولى من يرث ذلك المال ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا﴾ أي: لقولنا أنهما خانا، أحق وأصح وأثبت من شهادتهما المتقدمة ﴿وَمَا اعْتَدَيْنَا﴾ أي: فيما قلنا فيهما من الخيانة.

﴿إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ أي: إن كنا قد كذبنا عليهما، وهذا التحليف للورثة والرجوع إلى قولهما والحالة هذه، كما يحلف أولياء المقتول إذا ظهر لوث في جانب القاتل، فيقسم المستحقون على القاتل فيدفع برمته إليهم كما هو مقرر في باب القسامة من الأحكام.

وقد وردت السنة بمثل ما دلت عليه هذه الآية الكريمة، فقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا الحسين بن زياد، حدثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن [أبي النضر] (٧)، عن باذان - يعني أبا صالح مولى أُم هانئ بنت أبي طالب -، عن ابن عباس، عن تميم الداري في هذه الآية ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ قال: برئ الناس منها غيري وغير


(١) وقد أخرجه الطبري من طريق أبي عبيد القاسم بن سلام وذكر تتمته الموضحة عن أبي عبيد فقال: ينوّن شهادةً ويخفض [لفظ الجلالة] (اللهِ) على الاتصال. اهـ. وهذه القراءة شاذة.
(٢) وهذا النص تتمة لما سبق من تفسير الطبري، ويقصد بالقراءة الأولى: القراءة التي نقرأ بها "ولا نكتم شهادة الله" وما سواها شاذ. وقد رجح هذه القراءة المتواترة وقال لأنها القراءة المستفيضة. . .
(٣) وهاتان قراءتان متواترتان "بضم التاء وفتحها".
(٤) أي بالرفع "الأوليان" ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٢٣٧).
(٥) وكلا القراءتين متواترة بالرفع ﴿الأَوْلَيَانُ﴾ وبالنصب ﴿الأَوْلَيَانَ﴾.
(٦) ذكره الطبري معلقًا والقراءة شاذة.
(٧) كذا في (مح) وتفسير ابن أبي حاتم وهو محمد بن السائب الكلبي كما قرر الحافظ ابن كثير وفي الأصل: "النضر".