للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جرير: اختلف في قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ هل المراد به أن يوصي إليهما أو يشهدهما؟ على قولين:

(أحدهما): أن يوصي إليهما، [كما قال محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال: سئل ابن مسعود عن هذه الآية. قال] (١): هذا رجل سافر ومعه مال، فأدركه قدره، فإن وجد رجلين من المسلمين دفع إليهما تركته، وأشهد عليهما عدلين من المسلمين، رواه ابن أبي حاتم وفيه انقطاع (٢).

(والقول الثاني): أنهما يكونان شاهدين، وهو ظاهر سياق الآية الكريمة فإن لم يكن وصي ثالث معهما، اجتمع فيهما الوصفان: الوصاية والشهادة، كما في قصة تميم الداري وعدي بن بداء، كما سيأتي ذكرهما آنفًا إن شاء الله وبه التوفيق.

وقد استشكل ابن جرير كونهما شاهدين قال: لأنا لا نعلم حكمًا يحلف فيه الشاهد، وهذا لا يمنع الحكم الذي تضمنته هذه الآية الكريمة، وهو حكم مستقل بنفسه لا يلزم أن يكون جاريًا على قياس جميع الأحكام، على أن هذا حكم خاص، بشهادة خاصة، في محل خاص، وقد اغتفر فيه من الأمور ما لم يغتفر في غيره، فإذا قامت قرينة الريبة، حلف هذا الشاهد بمقتضى ما دلت عليه هذه الآية الكريمة.

وقوله تعالى: ﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ﴾ قال العوفي: قال ابن عباس: يعني صلاة العصر، وكذا قال سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وقتادة وعكرمة ومحمد بن سيرين (٣).

وقال الزهري: يعني صلاة المسلمين (٤). وقال السدي، عن ابن عباس: يعني صلاة أهل دينهما (٥). وروى عبد الرزاق، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عَبيدة (٦). وكذا قال إبراهيم وقتادة وغير واحد.

والمقصود أن يقام هذان الشاهدان بعد صلاة اجتمع الناس فيها بحضرتهم ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ﴾ أي: فيحلفان بالله ﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾ أي: إن ظهرت لكم منهما ريبة أنهما خانا أو غلا، فيحلفان حينئذٍ بالله ﴿لَا نَشْتَرِي بِهِ﴾ أي: بأيماننا، قاله مقاتل بن حيان (٧): ﴿ثَمَنًا﴾ أي: لا نعتاض عنه


(١) ما بين معقوفين سقط من الأصل واستدرك من (مح) وتفسير الطبري.
(٢) الانقطاع بين يزيد وابن مسعود، وكذلك ابن إسحاق لم يصرح بالسماع من يزيد.
(٣) قول العوفي لم أجده ولكن قول سعيد بن جبير أخرجه الطبري وابن حزم (المحلى ١٠/ ٥٩١) بسند صحيح من طريق أبي بشر جعفر بن إياس، عن سعيد. وقول إبراهيم النخعي أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق مغيرة عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه، وأخرجه أيضًا الطبري بأسانيد صحيحة عن عامر الشعبي. وأخرجه أيضًا ابن أبي حاتم بسند صحيح عن عَبيدة السلماني.
(٤) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم كلاهما بسند حسن من طريق الليث، عن عقيل، عن الزهري، وعقيل هذا هو ابن خالد الأيلي: ثقة (التهذيب ٧/ ٢٥٥).
(٥) أخرجه الطبري عن السدي به وسنده منقطع لأن السدي لم يسمع من ابن عباس.
(٦) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه، وسنده صحيح.
(٧) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن من طريق بكير بن معروف عن مقاتل.