للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ إلى آخر الآية (١)، في إسناده ضعف.

وظاهر الآية النهي عن السؤال عن الأشياء التي إذا علم بها الشخص ساءته، فالأولى الإعراض عنها وتركها، وما أحسن الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا حجاج قال: سمعت إسرائيل بن يونس، عن الوليد بن أبي هاشم مولى الهمداني، عن زيد بن زائد، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله لأصحابه: "لا يبلغني أحد عن أحد شيئًا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر" الحديث، وقد رواه أبو داود والترمذي من حديث إسرائيل، قال أبو داود عن الوليد، وقال الترمذي عن إسرائيل، عن السدي، عن الوليد بن أبي هاشم به، ثم قال الترمذي: غريب من هذا الوجه (٢).

وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ﴾ أي: وإن تسألوا عن هذه الأشياء التي نهيتم عن السؤال عنها حين ينزل الوحي على رسول الله تبين لكم ﴿وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [التغابن: ٧]، ثم قال: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْهَا﴾ أي: عما كان منكم قبل ذلك ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾.

وقيل: المراد بقوله: ﴿وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ﴾ أي: لا تسألوا عن أشياء تستأنفون السؤال عنها، فلعله قد ينزل بسبب سؤالكم تشديد أو تضييق، وقد ورد في الحديث "أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن شيء لم يحرم، فحرم من أجل مسألته" (٣) ولكن إذا نزل القرآن بها مجملة فسألتم عن بيانها، تُبين لكم حينئذٍ لاحتياجكم إليها، ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْهَا﴾ أي: ما لم يذكره في كتابه فهو مما عفا عنه، فاسكتوا أنتم عنها كما سكت عنها، وفي الصحيح عن رسول الله أنه قال: "ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم" (٤) وفي الحديث الصحيح أيضًا "أن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها" (٥).

ثم قال تعالى: ﴿قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (١٠٢)﴾ أي: قد سأل هذه المسائل المنهي عنها قوم من قبلكم فأجيبوا عنها، ثم لم يؤمنوا بها، ﴿فأصبحو بها كافرين﴾ أي بسببها؛ أي: بيّنت لهم فلم ينتفعوا بها لأنهم لم يسألوا على وجه الاسترشاد بل على وجه الاستهزاء والعناد.

وقال العوفي، عن ابن عباس في الآية: أن رسول الله أذن في الناس فقال: "يا قوم كتب عليكم الحج" فقام رجل من بني أسد فقال: يا رسول الله، أفي كل عام فأغضب رسول الله غضبًا شديدًا، فقال: "والذي نفسي بيده، لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم، وإذًا


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وما أشار إليه الحافظ ابن كثير في إسناده ضعف فقد رواه الطبراني من طريق آخر عن روح بن الفرج عن أبي زيد عبد الرحمن به (المعجم الكبير ٨/ ١٨٦ ح ٧٦٧١)، قال الهيثمي: وإسناده حسن جيد (مجمع الزوائد ٤/ ٢٠٧).
(٢) تقدم تخريجه في بداية تفسير هذه الآية.
(٣) صحيح البخاري الاعتصام، باب ما يكره من كثرة السؤال. . . (ح ٧٢٨٩)، وصحيح مسلم، الفضائل، باب توقيره (ح ١٣٣٧).
(٤) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة في بداية آية ١٠٨.
(٥) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة آية ٢٣٠.