للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو الأسود، والأعصم وهو الأبيض، لما رواه النسائي عن عمرو بن علي الفلاس، عن يحيى القطان، عن شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة، عن النَّبِيّ قال: "خمس يقتلهن المحرم: الحية، والفأرة، والحدأة، والغراب الأبقع، والكلب العقور" (١).

والجمهور على أن المراد به أعم من ذلك، لما ثبت في الصحيحين من إطلاق لفظه (٢).

وقال مالك : لا يقتل المحرم الغراب إلا إذا صال عليه وآذاه.

وقال مجاهد بن جبر وطائفة: لا يقتله بل يرميه، ويروى مثله عن علي.

وقد روى هشيم: حَدَّثَنَا يزيد بن أبي زياد: عن عبد الرحمن بن أبي [نُعْم] (٣)، عن أبي سعيد، عن النَّبِيّ أنه سئل عما يقتل المحرم؟ فقال: "الحية، والعقرب، والفُويسقة، ويرمي الغراب ولا يقتله، والكلب العقور، والحدأة، والسبع العادي" رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل، والترمذي عن أحمد بن منيع، كلاهما عن هشيم وابن ماجة، عن أبي كريب، عن محمد بن فضيل، كلاهما عن يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن (٤).

وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ قال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا أبو سعيد الأشج، حَدَّثَنَا ابن عُلية، عن أيوب قال: نُبئت عن طاوس أنه قال: لا يحكم على من أصاب صيدًا خطأ، إنما يحكم على من أصابه متعمدًا (٥).

وهذا مذهب غريب عن طاوس وهو متمسك بظاهر الآية، وقال مجاهد بن جبر: المراد بالمتعمد هنا القاصد إلى قتل الصيد، الناسي لإحرامه، فأما المتعمد لقتل الصيد مع ذكره لإحرامه، فذاك أمره أعظم من أن يكفر، وقد بطل إحرامه، ورواه ابن جرير عنه من طريق ابن أبي نجيح (٦)، وليث بن أبي سليم وغيرهما عنه (٧)، وهو قول غريب أيضًا، والذي عليه الجمهور أن العامد والناسي سواء في وجوب الجزاء عليه.

وقال الزهري: دلّ الكتاب على العامد، وجرت السنة على الناسي (٨)، ومعنى هذا أن القرآن دلّ على وجوب الجزاء على المتعمد وعلى تأثيمه بقوله: ﴿لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ﴾ وجاءت السنة من أحكام النَّبِيّ وأحكام أصحابه بوجوب الجزاء في


(١) سنن النسائي، مناسك الحج، باب قتل الحية ٥/ ١٨٨، وأخرجه مسلم من طريق شعبة به (الصحيح، الحج، باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب (ح ١١٩٨).
(٢) تقدم قبل حديثين.
(٣) كذا في (حم) و (مح) والتخريج، وفي الأصل صُحف إلى: "نعيم".
(٤) سنن أبي داود، المناسك، باب ما يقتل المُحرم من الدواب (ح ١٨٤٤)، ومسند أحمد ٣/ ٣، وسنن الترمذي، الحج، باب ما يقتل المحرم من الدواب (ح ٨٣٨)، وفي سنده يزيد بن أبي زياد ضعيف (مصباح الزجاجة ٣/ ٣٩)، من أجل ذلك ضعفه البوصيري.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لإبهام شيخ أيوب وهو السختياني.
(٦) أخرجه الطبري من طريق ابن أبي نجيح به نحوه. وسنده صحيح.
(٧) أخرجه الطبري من طريق ليث به وقد توبع ليث بواسطة ابن أبي نجيح.
(٨) أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري بنحوه (المصنف رقم ٨١٧٨)، وسنده صحيح.