للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله ههنا: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ﴾ قال السدي وغيره: يعني بعد هذا الإعلام والإنذار والتقدم، ﴿فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي: لمخالفته أمر الله وشرعه.

ثم قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ وهذا تحريم منه تعالى لقتل الصيد في حال الإحرام، ونهي عن تعاطيه فيه، وهذا إنما يتناول من حيث المعنى المأكول وما يتولد منه ومن غيره، فأما غير المأكول من حيوانات البر، فعند الشافعي يجوز للمحرم قتلها، والجمهور على تحريم قتلها أيضًا، ولا يستثنى من ذلك إلا ما ثبت في الصحيحين من طريق الزهري عن عروة، عن عائشة أُم المؤمنين أن رسول الله ﷿ قال: "خمس فواسق يقتلن في الحلّ والحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور" (١).

وقال مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله ﷿ قال: "خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور" أخرجاه، ورواه أيوب عن نافع عن ابن عمر مثله. قال أيوب: فقلت لنافع: فالحية؟ قال الحية لا شكَّ فيها. ولا يختلف في قتلها (٢).

ومن العلماء كمالك وأحمد من ألحق بالكلب العقور الذئب والسبع والنمر والفهد، لأنها أشد ضررًا منه، فاللّه أعلم.

وقال زيد بن أسلم وسفيان بن عيينة: الكلب العقور يشمل هذه السباع العادية كلها، واستأنس من قال بهذا بما روي أن رسول الله لما دعا على عُتبة بن أبي لهب قال: "اللهم سلط عليه كلبك بالشام" فأكله السبع بالزرقاء (٣) (٤).

قالوا: فإن قتل ما عداهن فداه، كالضبع والثعلب [وهرّ البر] (٥) ونحو ذلك، قال مالك: وكذا يستثنى من ذلك صغار هذه الخمس المنصوص عليها، وصغار الملحق بها من السباع العوادي.

وقال الشافعي: يجوز للمحرم قتل كل ما لا يؤكل لحمه، ولا فرق بين صغاره وكباره، وجعل العِلّة الجامعة كونها لا تؤكل.

وقال أبو حنيفة: يقتل المُحرم الكلب العقور والذئب، لأنَّهُ كلب بري، فإن قتل غيرهما فداه إلا أن يصول عليه سبع غيرهما فيقتله فلا فداء عليه، وهذا قول الأوزاعي والحسن بن صالح بن حي. وقال زُفر بن الهذيل: يفدي ما سوى ذلك وإن صال عليه.

وقال بعض الناس: المراد بالغراب ههنا الأبقع، وهو الذي في بطنه وظهره بياض دون الأدرع


(١) صحيح البخاري، جزاء الصيد، باب ما يقتل المحرم من الدواب (ح ١٨٢٩)، وصحيح مسلم، الحج، باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب (ح ١١٩٨).
(٢) صحيح البخاري، جزاء الصيد، باب ما يقتل المحرم من دواب (ح ١٨٢٦)، وصحيح مسلم، الحج، باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب … (ح ١١٩٩).
(٣) الزرقاء مدينة في الأردن تبعد عن عمان مِائَة كيلًا.
(٤) أخرجه الحاكم من طريق نوفل بن أبي عقرب عن أبيه قال كان ابن أبي لهب يسبُ النَّبِيّ وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٥٣٩)، وحسنه الحافظ ابن حجر (فتح الباري ٤/ ٣٩).
(٥) كذا في (حم) و (مح) وفي الأصل صحف إلى: "وهو البرد".