للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: ٥٣] فوقف عليه فقال: يا عبد اللّه أعد قراءتها فأعادها عليه، فغمد سيفه، ثم جاء تائبًا حتى قدم المدينة من السحر، فاغتسل ثم أتى مسجد رسول الله فصلى الصبح ثم قعد إلى أبي هريرة في أغمار أصحابه، فلما أسفروا عرفه الناس فقاموا إليه فقال: لا سبيل لكم علي جئت تائبًا من قبل أن تقدروا علي، فقال أبو هريرة: صدق، وأخذ بيده حتى أتى مروان بن الحكم وهو أمير على المدينة في زمن معاوية فقال: هذا علي جاء تائبًا ولا سبيل لكم عليه ولا قتل، فترك من ذلك كله، قال: وخرج علي تائبًا مجاهدًا في سبيل اللّه في البحر، فلقوا الروم فقربوا سفينته إلى سفينة من سفنهم فاقتحم على الروم في سفينتهم فهربوا منه إلى شقها الآخر، فمالت به وبهم فغرقوا جميعًا (١).

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٣٦) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (٣٧)﴾.

يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين بتقواه، وهي إذا قرنت بطاعته كان المراد بها الانكفاف عن المحارم وترك المنهيات، وقد قال بعدها: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾.

قال سفيان الثوري، عن طلحة، عن عطاء، عن ابن عباس: أي القربة (٢). وكذا قال مجاهد وأبو وائل والحسن وقتادة وعبد اللّه بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد (٣).

وقال قتادة: أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه (٤).

وقرأ ابن زيد ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: ٥٧] (٥).

وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه. وأنشد عليه ابن جرير قول الشاعر:

إذا غفلَ الواشون عُدنا لوصلِنا … وعاد التصافي بيننا والوسائل (٦)

والوسيلة هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود، والوسيلة أيضًا علم على أعلى منزلة في


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وفي سنده الوليد بن مسلم، كثير التدليس والتسوية ولم يصرح بالسماع.
(٢) أخرجه الطبري من طريق ابن جريج عن ابن عباس في سورة الإسراء [آية ٥٧]، وسنده منقطع لأن ابن جريج لم يسمع من ابن عباس، أما السند الذي ذكره الحافظ ابن كثير فقد أخرجه الطبري من طريق الثوري به بدون ذكر ابن عباس.
(٣) قول مجاهد أخرجه الطبري بسند حسن من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول أبي وائل أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق منصور عنه، وقول الحسن أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح من طريق معمر عنه، وقول عبد الله بن كثير أخرجه الطبري بسند فيه الحسين وهو ابن داود ضعيف، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه، وقول ابن زيد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عنه بنحوه.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة.
(٥) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن ابن زيد.
(٦) ذكره الطبري ومعمر في مجاز القرآن ١/ ٦٤.