للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى هلكوا لهم في الآخرة مع الجزاء الذي جازيتهم به في الدنيا، والعقوبة التي عاقبتهم بها فيها ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ يعني: عذاب جهنم،

وقوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤)﴾ أما على قول من قال: إنها في أهل الشرك فظاهر، وأما المحاربون المسلمون فإذا تابوا قبل القدرة عليهم، فإنه يسقط عنهم انحتام القتل والصلب وقطع الرجل، وهل يسقط قطع اليد أم لا؟ فيه قولان للعلماء، وظاهر الآية يقتضي سقوط الجميع، وعليه عمل الصحابة، كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو أُسامة، عن مجالد، عن الشعبي قال: كان حارثة بن بدر التميمي من أهل البصرة، وكان قد أفسد في الأرض وحارب، فكلم رجالًا من قريش منهم الحسن بن علي وابن عباس وعبد اللّه بن جعفر، فكلموا عليًا فيه فلم يؤمنه، فأتى سعيد بن قيس الهمداني فخلفه في داره، ثم أتى عليًا، فقال: يا أمير المؤمنين، أرأيت من حارب الله ورسوله، وسعى في الأرض فسادًا، فقرأ حتى بلغ ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا﴾ قال: فكتب له أمانًا، قال سعيد بن قيس: فإنه حارثة بن بدر (١)، وكذا رواه ابن جرير من غير وجه عن مجالد عن الشعبي به، وزاد فقال حارثة بن بدر:

ألا بلغا همدان إما لقيتها … على النّأي (٢) لا يسلم عدو يعيبها

لعمرُ أبيها إن همدان تتقي الـ … إله ويقضي بالكتاب خطيبها (٣)

وروى ابن جرير من طريق سفيان الثوري عن السدي، ومن طريق [أشعث] (٤)، كلاهما عن عامر الشعبي قال: جاء رجل من مراد إلى أبي موسى وهو على الكوفة في إمارة عثمان بعدما صلى المكتوبة، فقال: يا أبا موسى هذا مقام العائذ بك، أنا فلان بن فلان المرادي، وإني كنت حاربت اللّه ورسوله وسعيت في الأرض فسادًا، وإني تبت من قبل أن تقدروا عليّ، فقام أبو موسى فقال: إن هذا فلان بن فلان، وإنه كان حارب اللّه ورسوله وسعى في الأرض فسادًا، وإنه تاب من قبل أن نقدر عليه فمن لقيه فلا يعرض له إلا بخير، فإن يك صادقًا فسبيل من صدق، وإن يك كاذبًا تدركه ذنوبه، فأقام الرجل ما شاء اللّه، ثم إنه خرج فأدركه اللّه تعالى بذنوبه فقتله (٥).

ثم قال ابن جرير: حدثني علي، حدثنا الوليد بن مسلم قال: قال الليث: وكذلك حدثني موسى بن إسحاق المدني، [وهو الأمير عندنا] (٦)، أن عليًا الأسدي حارب وأخاف السبيل وأصاب الدم والمال فطلبه الأئمة والعامة، فامتنع ولم يقدروا عليه حتى جاء تائبًا، وذلك أنه سمع رجلًا يقرأ هذه الآية ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِر


(١) في سنده مجالد فيه مقال.
(٢) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل: "الناس". وهو تصحيف.
(٣) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وفيه مجالد أيضًا فيه مقال.
(٤) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل تصحفت إلى: "أشعب".
(٥) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق أشعث به (المصنف ١٢/ ٢٨٢)، وسنده حسن.
(٦) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل: "وهو الآن عندنا".