للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا قال الفقهاء: قد يكون تناول الميتة واجبًا في بعض الأحيان وهو ما إذا خاف على نفسه ولم يجد غيرها، وقد يكون مندوبًا، وقد يكون مباحًا بحسب الأحوال.

واختلفوا هل يتناول منها قدر ما يسد به الرمق، أو له أن يشبع أو يشبع ويتزود؟ على أقوال كما هو مقرر في كتاب الأحكام، وفيما إذا وجد ميتة وطعام الغير أو صيدًا وهو محرم، هل يتناول الميتة أو ذلك الصيد ويلزمه الجزاء أو ذلك الطعام ويضمن بدله، على قولين: هما قولان للشافعي . وليس من شرط جواز تناول الميتة أن يمضي عليه ثلاثة أيام لا يجد طعامًا كما قد يتوهمه كثير من العوام وغيرهم، بل متى اضطر إلى ذلك جاز له.

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، حدثنا حسان بن عطية، عن أبي واقد الليثي، أنهم قالوا: يا رسول الله، إنا بأرض تصيبنا بها المخمصة (١)، فمتى تحل لنا بها الميتة؟ فقال: "إذا لم تصطبحوا (٢)، ولم تغتبقوا (٣)، ولم تحتفئوا (٤) بها بقلًا (٥) فشأنكم بها" (٦) تفرد به أحمد من هذا الوجه، وهو إسناد صحيح على شرط الصحيحين، وكذا رواه ابن جرير عن عبد الأعلى بن واصل عن محمد بن القاسم الأسدي عن الأوزاعي به (٧)، لكن رواه بعضهم عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن مسلم بن يزيد، عن أبي واقد به (٨) [ومنهم من رواه عن الأوزاعي، عن حسان، عن مرثد أو أبي مرثد عن أبي واقد به] (٩) (١٠). ورواه ابن جرير عن هناد بن السري، عن عيسى بن يونس، عن حسان، عن رجل قد سمي له فذكره، ورواه أيضًا عن هناد، عن ابن المبارك، عن الأوزاعي، عن حسان مرسلًا (١١).

وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن علية، عن ابن عون، قال: وجدت عند الحسن كتاب سمرة فقرأته عليه، فكان فيه: ويجزئ من الاضطرار غبوق أو صبوح (١٢).

حدثنا أبو كريب، حدثنا هشيم عن الخصيب بن زيد التميمي، حدثنا الحسن: أن رجلًا سأل


= وحسنه الهيثمي (مجمع الزوائد ٣/ ١٦٥)، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
(١) المخمصة: المجاعة.
(٢) تصطبحوا: من الصَّبوح وهو الشرب أول النهار، كما في حاشية السندي على المسند.
(٣) تغتبقوا: من الغبوق وهو الثرب آخر النهار، كما في حاشية السندي على المسند.
(٤) تحتفئوا: من الحُفا مهموز مقصور، وهو أصل البرديّ الأبيض الرطب منه وقد يؤكل، يقول: ما لم تقتلعوا هذا بعينه فتأكلوه.
(٥) البقل هو ما نبت في بزره (النهاية ١/ ٢٧٧).
(٦) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه وحسنه محققوه بالشواهد (المسند ٣٦/ ٢٣٢ ح ٢١٩٠١).
(٧) أخرجه الإمام أحمد المسند ٥/ ٢١٨، والطبري والحاكم من طريق الأوزاعي به (المستدرك ٤/ ١٢٥)، وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي فقال: فيه انقطاع. اص. ويتقوى بسابقه.
(٨) أخرجه الطبراني من طريق الأوزاعي به (المعجم الكبير ٣/ ٢٨٤).
(٩) زيادة من (حم).
(١٠) أخرجه الطبراني (المصدر السابق).
(١١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وفيه رجل مبهم ويتقوى بسابقه الصحيح.
(١٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، ويتقوى أيضًا بشاهده السابق الصحيح. وتقدم معنى الغبوق والصبوح.