للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والظاهر - والله أعلم - أنها عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء كما تقدم. وقد قال تعالى: ﴿لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ﴾ [المائدة: ٦٣] وقال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣]، وفي الحديث الصحيح المتفق عليه عن أبي هريرة، عن رسول الله أنه قال: "من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطعاني، ومن عصى أميري فقد عصاني" (١)، فهذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء، ولهذا قال تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ﴾ أي: اتبعوا كتابه ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ أي: خذوا بسنته ﴿وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ أي: فيما أمروكم به من طاعة الله لا في معصية الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله كما تقدم في الحديث الصحيح: "إنما الطاعة في المعروف".

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أبي مراية، عن عمران بن حصين، عن النبي قال: "لا طاعة في معصية الله" (٢).

وقوله: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ قال مجاهد وغير واحد من السلف؛ أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله (٣). وهذا أمر من الله ﷿ بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة كما قال تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: ١٠] فما حكم به الكتاب والسنة وشهدا له بالصحة فهو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ أي: ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ فدل على أنه من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمنًا بالله ولا باليوم الآخر.

وقوله: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ أي: التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله، والرجوع إليهما في فصل النزاع خير ﴿وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ أي: وأحسن عاقبة ومآلًا كما قاله السدي وغير واحد، وقال مجاهد: وأحسن جزاء، وهو قريب.


= بسند صحيح عن معمر عنه، وقول عطاء - وهو ابن السائب - أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الملك العرزمي عنه، وقول أبي العالية أخرجه ابن أبي شيبة بسند جيد من طريق الربيع بن أنس عنه (المصنف ١٢/ ٢١٣ رقم ١٢٥٨١).
(١) صحيح البخاري، الأحكام، باب قوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ … ﴾ [آل عمران: ١٣٢] (ح ٧١٣٧)، وصحيح مسلم، الإمارة، باب وجوب طاعة الأمير (ح ١٨٣٥).
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤/ ٤٢٦)، في سنده أبو مراية العجلي البصري مسكوت عنه وذكره ابن حبان في الثقات (تعجيل المنفعة ص ٥١٩)، وله شاهد في صحيح مسلم، الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء (ح ١٨٣٩)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (ح ١٨١).
(٣) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق ليث بن أبي سليم عن مجاهد، وليث فيه مقال ولكن معناه صحيح وقد ثبت مثله عن السدي فيما رواه عنه الطبري بسند حسن وثبت عن قتادة فيما رواه الطبري بسند حسن.