للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾ أي: فقد جعلنا في أسباط بني إسرائيل، الذين هم من ذرية إبراهيم النبوة وأنزلنا عليهم الكتب وحكموا فيهم بالسنن، وهي الحكمة، وجعلنا منهم الملوك ومع هذا ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ﴾ أي: بهذا الإيتاء وهذا الإنعام، ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ﴾ أي: كفر به وأعرض عنه وسعى في صد الناس عنه، وهو منهم ومن جنسهم؛ أي: من بني إسرائيل، فقد اختلفوا عليهم، فكيف بك يا محمد ولست من بني إسرائيل؟ (١).

وقال مجاهد: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ﴾ أي: بمحمد ، ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ﴾ (٢).

فالكفرة منهم أشد تكذيبًا لك، وأبعد عما جئتهم به من الهدى، والحق المبين، ولهذا قال: متوعدًا لهم ﴿وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا﴾ أي: وكفى بالنار عقوبة لهم على كفرهم وعنادهم ومخالفتهم كتب الله ورسله.

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (٥٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (٥٧)﴾.

يخبر تعالى عما يعاقب به في نار جهنم من كفر بآياته وصد عن رسله، فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا﴾ أي: ندخلهم نارًا دخولًا يحيط بجميع أجرامهم وأجزائهم، ثم أخبر عن دوام عقوبتهم ونكالهم، فقال: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾ قال الأعمش عن ابن عمر: إذا احترقت جلودهم بدلوا جلودًا غيرها بيضاء أمثال القراطيس، رواه ابن أبي حاتم (٣).

وقال يحيى بن يزيد الحضرمي: أنه بلغه في الآية، قال: يجعل للكافر مائة جلد، بين كل جلدين لون من العذاب، ورواه ابن أبي حاتم (٤).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن محمد الطنافسي، حدثنا حسين الجعفي، عن زائدة، عن هشام، عن الحسن قوله: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ … ﴾ الآية، قال: تنضجهم في اليوم سبعين ألف مرة. قال حسين: وزاد فيه فضيل، عن هشام، عن الحسن ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ﴾ كلما أنضجتهم فأكلت لحومهم قيل لهم: عودوا فعادوا (٥). وقال أيضًا: ذكر عن هشام بن عمار، حدثنا سعيد بن يحيى - يعني سعدان - حدثنا نافع مولى يوسف السلمي البصري، عن نافع، عن


(١) أخرجه الطبراني بسنده ومتنه (المعجم الكبير ح ١١٣١٣)، وفي سنده يحيى الحماني وهو ضعيف (مجمع الزوائد ٧/ ٩).
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لضعف ثوير فهو: ابن أبي فاختة ضعيف رمي بالرفض كما في التقريب.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق عمر بن خالد المعافري عن يحيى بن يزيد الحضرمي بلاغًا ولم يصرح باسم شيخه، وعمر ويحيى لم أجد لهما ترجمة.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده صحيح لكن مثل هذه الأخبار الغيبية لا تؤخذ عن التابعين.