للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عليه بقدر فقره، ولم يكن للولي منه شيء (١)، وهذا بعيد من السياق، لأنه قال: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ﴾ يعني: من الأولياء. ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا﴾ أي: منهم ﴿فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي: بالتي هي أحسن. كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ [الأنعام: ١٥٢] أي: لا تقربوه إلّا مصلحين له، فإن احتجتم إليه أكلتم منه بالمعروف.

وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ [يعني: بعد بلوغهم الحلم وإيناسكم الرشد منهم فحينئذٍ سلموا إليهم أموالهم، فإذا دفعتم إليهم أموالهم] (٢) ﴿فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ﴾ وهذا أمر من الله تعالى للأولياء أن يشهدوا على الأيتام إذا بلغوا الحلم وسلموا إليهم أموالهم لئلا يقع من بعضهم جحود وإنكار لما قبضه وتسلمه، ثم قال: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ أي: وكفى بالله محاسبًا وشهيدًا ورقيبًا على الأولياء في حال نظرهم للأيتام وحال تسليمهم للأموال هل هي كاملة موفرة أو منقوصة مبخوسة مدخلة، مروج حسابها، مدلس أمورها؟ الله عالم بذلك كله، ولهذا ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله قال: "يا أبا ذر إني أراك ضعيفًا وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تلين مال يتيم" (٣).

﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (٧) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٨) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٩) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)﴾.

قال سعيد بن جبير وقتادة: كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار ولا يورثون النساء ولا الأطفال شيئًا، فأنزل الله: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ … ﴾ الآية (٤)، أي: الجميع فيه سواء في حكم الله تعالى، يستوون في أصل الوراثة، وإن تفاوتوا بحسب ما فرض الله لكل منهم بما يدلي به إلى الميت من قرابة، أو زوجية، أو ولاء، فإنه لحمة كلحمة النسب. وقد روى ابن مردويه من طريق ابن هراسة عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر قال: جاءت أم كُجّة إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله إن لي ابنتين قد مات أبوهما وليس لهما شيء، فأنزل الله تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ … ﴾ الآية (٥)، وسيأتي هذا


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده حسن.
(٢) ما بين معقوفين سقط في الأصل واستدرك من (ح) و (حم) و (مح).
(٣) صحيح مسلم، الإمارة، باب كراهة الإمارة بغير ضرورة (ح ١٨٢٦).
(٤) قول سعيد بن جبير أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عطاء بن دينار عنه لكنه مرسل ويتقوى بمرسل قتادة فقد أخرجه ابن أبي حاتم أيضًا بسند صحيح من طريق معمر بن راشد عنه.
(٥) في سنده ابن هراسة وهو: إبراهيم بن هراسة: متروك (التاريخ الكبير ١/ ٣٣٣، والجرح والتعديل ٢/ ١٤٣)، قال الحافظ ابن حجر: هو ضعيف وقد خالفه بشر بن المفضل عن عبد الله بن محمد بن جابر (الإصابة ١/ ٢٧٢)، وحديث بشر بن المفضل فيه أن البنتين ابنتا سعد بن الربيع. رواه أبو داود في السنن، الفرائض، باب ما جاء في ميراث الصلب (ح ٢٨٩١)، كما سيأتي في آية ١١ من هذه السورة.