للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يقول: الشمرذل - بالذال المعجمة -، عن قيس بن الحارث، وعند أبي داود في رواية الحارث بن قيس بن عميرة الأسدي قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت للنبي فقال: "اختر منهن أربعًا" (١)، وهذا الإسناد حسن: ومجرد هذا الاختلاف لا يضر مثله لما للحديث من الشواهد.

(حديث آخر في ذلك) قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي في مسنده: أخبرني من سمع ابن أبي الزناد يقول: أخبرني عبد المجيد بن سُهيل بن عبد الرحمن عن عوف بن الحارث، عن نوفل بن معاوية الديلي ، قال: أسلمت وعندي خمس نسوة فقال لي رسول الله : "اختر أربعًا أيتهن شئت وفارق الأخرى" فعمدت إلى أقدمهن صحبة عجوز عاقر معي منذ ستين سنة فطلقتها (٢). فهذه كلها شواهد لِصحة ما تقدم من حديث غيلان كما قاله البيهقي .

وقوله: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ أي: فإن خشيتم من تعداد النساء أن لا تعدلوا بينهن، كما قال تعالى: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ [النساء: ١٢٩] فمن خاف من ذلك فليقتصر على واحدة أو على الجواري السراري فإنه لا يجب قسم بينهن، ولكن يستحب فمن فعل فحسن، ومن لا فلا حرج، وقوله: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾ قال بعضهم: ذلك أدنى ألا تكثر عيالكم، قاله زيد بن أسلم وسفيان بن عيينة (٣) والشافعي ، وهو مأخوذ من قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً﴾ [التوبة: ٢٨] أي: فقرًا ﴿فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ﴾ [التوبة: ٢٨] وقال الشاعر (٤):

فما يدري الفقير متى غناه … وما يدري الغني متى يعيل

وتقول العرب: عال الرجل يعيل عيلة: إذا افتقر، ولكن في هذا التفسير ههنا نظر، فإنه كما يخشى كثرة العائلة من تعداد الحرائر كذلك يخشى من تعداد السراري أيضًا، والصحيح قول الجمهور: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾ أي: لا تجورواه (٥)، يقال: عال في الحكم إذا قسط وظلم وجار، وقال أبو طالب في قصيدته المشهورة (٦):

بميزان قسط لا يخيس شعيرة … له شاهد زائدة من نفسه غير عائل


(١) سنن أبي داود، الطلاق، باب من أسلم وعنده نساء أكثر من أربع (ح ٢٢٤١)، وسنن ابن ماجه، النكاح، باب الرجل يسلم عنده أكثر من أربع نسوة (ح ١٩٥٢)، وحسنه الحافظ ابن كثير، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ١٩٦٠).
(٢) ترتيب مسند الشافعي، النكاح، باب الترغيب في التزويج (ح ٤٤)، وفي سنده إبهام شيخ الإمام الشافعي، ويشهد له ما سبق.
(٣) قول زيد بن أسلم أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي هلال عنه، وقول ابن عيينة أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن.
(٤) هو أُحيحة بن الجلاح، والبيت ذكره الفراء في معاني القرآن ١/ ٢٥٥، ونسبه إلى أحيحة ابن منظور (لسان العرب: مادة ع ي ل).
(٥) صح عن عائشة موقوفًا.
(٦) ذكره الطبري وابن هشام (السيرة ١/ ٢٩٦)، وعلق محمود شاكر بقوله: من القصيدة التي زعموا أن أبا طالب قالها … وقوله: لا تُخس شعيرة؛ أي لا تنقص مقدار شعيرة. اهـ.
والشاهد من البيت قوله: "غير عائل"، أي: غير جائر.