للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثلاثًا، وإن شاء أربعًا. كما قال الله تعالى: ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [فاطر: ١] أي: منهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له أربعة، ولا ينفي ما عدا ذلك في الملائكة لدلالة الدليل عليه، بخلاف قصر الرجال على أربع، فمن هذه الآية كما قال ابن عباس وجمهور العلماء، لأن المقام مقام امتنان واباحة، فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره. قال الشافعي: وقد دلت سنة رسول الله المبينة عن الله أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة، وهذا الذي قاله الشافعي : مجمع عليه بين العلماء إلا ما حكي عن طائفة من الشيعة، أنه يجوز الجمع بين أكثر من أربع إلى تسع. وقال بعضهم: بلا حصر. وقد يتمسك بعضهم بفعل رسول الله في جمعه بين أكثر من أربع إلى تسع كما ثبت في الصحيحين (١)، وأما إحدى عشرة كما جاء في بعض ألفاظ البخاري (٢)، وقد علقه البخاري.

وقد روينا عن أنس أن رسول الله تزوج بخمس عشرة امرأة، ودخل منهن بثلاث عشرة (٣). واجتمع عنده إحدى عشرة، ومات عن تسع. وهذا عند العلماء من خصائصه دون غيره من الأمة لما سنذكره من الأحاديث الدالة على الحصر في أربع، ولنذكر الأحاديث في ذلك:

قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل ومحمد بن جعفر قالا: حدثنا معمر عن الزهري، قال ابن جعفر في حديثه: أنبأنا ابن شهاب عن سالم، عن أبيه أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي : "اختر منهن أربعًا" فلما كان في عهد عمر طلق نساءه، وقسم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر فقال: إني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك فقذفه في نفسك، ولعلك لا تمكث إلا قليلًا. وايم الله لتراجعن نساءك ولترجعن في مالك أو لأورثهن منك ولآمرن بقبرك فيرجم كما رجم قبر أبي رِغال (٤) (٥). وهكذا رواه الشافعي والترمذي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي وغيرهم، من طرق عن إسماعيل بن علية وغندر ويزيد بن زريع وسعيد بن أبي عروبة وسفيان الثوري وعيسى بن يونس، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي، والفضل بن موسى وغيرهم من الحفاظ، عن معمر بإسناده مثله إلى قوله: "اختر منهن أربعًا" (٦).


(١) أخرجه البخاري من حديث ابن عباس وأنس (الصحيح، النكاح، باب كثرة النساء ح ٥٠٦٧ و ٥٠٦٨)، وأخرجه مسلم من حديث ابن عباس أيضًا (الصحيح، الرضاع، باب جواز هبتها نوبتها لضرتها ح ١٤٦٥).
(٢) أخرجه البخاري من حديث أنس موصولًا صحيح البخاري، الغسل، باب إذا جامع ثم عاد ح ٢٦٨، وبدايته: "كان النبي يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهنّ إحدى عشرة … " وقد بيّن الحافظ ابن كثير المراد بالإحدى عشرة وهن: التسع المذكورات في حديث ابن عباس والجاريتان مارية وريحان (ينظر: البداية والنهاية ٥/ ٣١٣).
(٣) أخرجه ابن عدي من طريق بحر بن كُنيز عن قتادة عن أنس، وذلك ضمن مناكير بحر (الكامل ٢/ ٤٨٤)، وبحر بن كُنير ضعيف (التقريب ص ١٢٠).
(٤) أبو رغال: هو أبو ثقيف من ثمود (قصص الأنبياء للحافظ ابن كثير ١/ ١١٣).
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٨/ ٢٥٢ ح ٤٦٣١)، وصححه محققوه، ونقلوا عن السندي: وقوله: فقذفه، أي: فطلقتهن فرارًا من إرثهن، والحديث يدل على كراهة طلاق الفارّ، وأنه ينبغي له المراجعة.
(٦) ترتيب مسند الشافعي، النكاح، (باب الترغيب في التزويج ح ٤٣)، وسنن الترمذي، النكاح، باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده عشر نسوة (ح ١١٢٨)، وسنن ابن ماجه، باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده أكثر =