للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد رواه ابن مردويه في تفسيره من حديث الليث بن سعد، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، قال: كان أبو سعيد ورافع بن خديج وزيد بن ثابت عند مروان، فقال: يا أبا سعيد رأيت قوله تعالى: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾، ونحن نفرح بما أتينا ونحب أن نحمد بما لم نفعل؟ فقال أبو سعيد: إن هذا ليس من ذاك، إنما ذاك أن ناسًا من المنافقين كانوا يتخلفون إذا بعث رسول الله بعثًا، فإن كان فيهم نكبة فرحوا بتخلفهم، وإن كان لهم نصر من الله وفتح حلفوا لهم ليرضوهم ويحمدوهم على سرورهم بالنصر والفتح، فقال مروان: أين هذا من هذا؟ فقال أبو سعيد: وهذا يعلم هذا؟ فقال مروان: أكذلك يا زيد؟ قال: نعم، صدق أبو سعيد. ثم قال أبو سعيد: وهذا يعلم ذاك يعني رافع بن خديج، ولكنه يخشى إن أخبرك أن تنزع قلائصه في الصدقة، فلما خرجوا قال زيد لأبي سعيد الخدري: ألا تحمدني على ما شهدت لك، فقال أبو سعيد، شهدت الحق، فقال زيد: أَوَلا تحمدني على ما شهدت الحق؟ ثم رواه من حديث مالك، عن زبد بن أسلم، عن رافع بن خديج: أنه كان هو وزيد بن ثابت عند مروان بن الحكم وهو أمير المدينة، فقال مروان: يا رافع في أي شيء نزلت هذه الآية؟ فذكره كما تقدم عن أبي سعيد (١)، وكان مروان يبعث بعد ذلك يسأل ابن عباس كما تقدم، فقال له: ما ذكرناه. ولا منافاة بين ما ذكره ابن عباس وما قاله هؤلاء، لأن الآية عامة في جميع ما ذكره، والله أعلم.

وقد روى ابن مردويه أيضًا من حديث محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة، عن الزهري، عن محمد بن ثابت الأنصاري، أن ثابت بن قيس الأنصاري قال: يا رسول الله، والله لقد خشيت أن أكون هلكت، قال: "لِمَ"؟ قال: نهى الله المرء أن يحب أن يُحمد بما لم يفعل وأجدني أحب الحمد، ونهى الله عن الخيلاء وأجدني أحبُّ الجمال، ونهى الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا امرؤ جهير الصوت، فقال رسول الله : "ألا ترضى أن تعيش حميدًا، وتقتل شهيدًا، وتدخل الجنة؟ " فقال: بلى يا رسول الله. فعاش حميدًا وقتل شهيدًا يوم مسيلمة [الكذاب] (٢) (٣).

وقوله تعالى: ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ﴾ يقرأ بالتاء على مخاطبة المفرد، وبالياء (٤) على الإخبار عنهم أي: لا يحسبون أنهم ناجون من العذاب بل لا بد لهم منه ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾

ثم قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩)﴾ أي: هو مالك كل شيء، والقادر على كل شيء، فلا يعجزه شيء، فهابوه ولا تخالفوه، واحذروا غضبه ونقمته فإنه العظيم الذي لا أعظم منه، والقدير الذي لا أقدر منه.


(١) تقدم تخريجه من الصحيحين.
(٢) كذا في (عف) و (ح) و (حم) و (مح)، وفي الأصل: "الدواب" وهو تصحيف.
(٣) سنده ضعيف لأن الزهري لم يسمع من محمد بن ثابت الأنصاري كما في ترجمة محمد بن ثابت في تهذيب التهذيب ٧/ ٨٤.
(٤) القراءتان متواترتان.