للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يسلكوا مسلكهم فيصيبهم ما أصابهم، ويسلك بهم مسالكهم، فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع، الدال على العمل الصالح، ولا يكتموا منه شيئًا، فقد ورد في الحديث المروي من طرق متعددة عن النبي ، أنه قال: "من سئل عن علم فكتمه أُلجم يوم القيامة بلجام من نار" (١).

وقوله تعالى ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ﴾ يعني بذلك: [المرائين] (٢) المتكثرين بما لم يعطوا، كما جاء في الصحيحين عن النبي : "من ادعى دعوة كاذبة ليتكثر بها، لم يزده الله إلا قلة" (٣). وفي الصحيح أيضًا: "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" (٤).

وقال الإمام أحمد: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، أخبرني ابن أبي مليكة، أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره أن مروان قال: اذهب يا رافع لبوابه إلى ابن عباس. فقل: لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبًا لنعذبن أجمعون، فقال ابن عباس: ما لكم وهذه، إنما نزلت هذه في أهل الكتاب، ثم تلا ابن عباس: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (١٨٧) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾. وقال ابن عباس: سألهم النبي عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره، فخرجوا قد أرَوه أن قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم ما سألهم عنه (٥)، وهكذا رواه البخاري في التفسير، ومسلم والترمذي والنسائي في تفسيريهما، وابن أبي حاتم، وابن جرير، والحاكم في مستدركه وابن مردويه كلهم من حديث عبد الملك بن جريج بنحوه، ورواه البخاري أيضًا من حديث ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن علقمة بن وقاص، أن مروان قال لبوابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس … فذكره.

وقال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، أنبأنا محمد بن جعفر، حدثني زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري : أن رجالًا من المنافقين كان إذا خرج رسول الله إلى الغزو تخلفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله فإذا قدم رسول الله من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا … ﴾ الآية (٦)، وكذا رواه مسلم من حديث ابن أبي مريم بنحوه (٧).


(١) أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة (المسند ح ٧٥٦١) وصححه أحمد شاكر.
(٢) كذا في (عف) و (ح) و (مح) وهو الصواب، وفي الأصل و (حم): "المرابين" وهو تصحيف.
(٣) أخرجه مسلم من حديث ثابت بن الضحاك بلفظه وأطول (الصحيح، الأيمان، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه بعد حديث ١١٠).
(٤) صحيح البخاري، النكاح، باب المتشبع بما لم ينل (ح ٥٢١٩)، وصحيح مسلم، اللباس، باب النهي عن التزوير في اللباس وغيره (ح ٢١٢٩).
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢٧١٢) وهو متفق عليه فقد أخرجه البخاري (الصحيح، التفسير، باب ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا … ﴾ [آل عمران: ١٨٨] ح ٤٥٦٨)، ومسلم (الصحيح، صفات المنافقين ح ٢٠١٥).
(٦) المصدر السابق.
(٧) صحيح مسلم، صفات المنافقين (ح ٢٧٧٧).