(١) كلامه - رَحِمَهُ اللهُ - في عصر الخير، وأول ظهور الشر، أما في عصرنا فلا فائدة من السماع، وتتبع الإسناد العالي، إلَّا المحاكاة والتقليد، دون تحصيل المقصد والثمرة، والتدقيق اليوم ليس من جهة السماع من الشيوخ، وإنما من تحصيل المخطوطات وتعدد الطبعات، وهذه مرحلة بعد مرحلة تقديم الإجازة على السماع في العصور التي سبقتها، كما تراه عند السخاوي في "فتح المغيث" (٢/ ٢٨٨). ومن دقة بعضهم إثبات حال البعض عند السماع، كما تراه - مثلًا - في آخر المجلد الثامن من "السنن الكبرى" للبيهقي (٨/ ٣٥٠) ففيه: "سمع هذا المجلد ثلاثة كان النوم يعتريهم أحيانًا حالة السماع، وكانوا يتحدّثون أحيانًا، ولهم فوات … " وفصَّل في بيانه، وكان هذا السماع على ابن الصلاح. وهذا النوم الذي كان يعتريهم بعدَ النَّسْخ، أو حالة السماع أحيانًا، هو في الأغلب الأكثر ليس من الكسَل والتواني وقِلَّةِ الاهتمامِ بالسماع والمسموع، وإنما هو من التعب والجُهدِ الذي يَلحقُهم وُيلاحِقُهم في الانهماك في الطلب والتحصيلِ، لأنهم كانوا يقومون قبلَ الفجر لما تيسَّر من قيام الليل، ثم يتابعون لصلاة الفجر، ثم يَحضُرون المجلسَ من بعد الصلاة إلى الضحى العالي أو أقلَّ قليلًا أو أكثر، فلذلك يَلحقُهم الوَنَى والفُتُورُ فيُغلَبُون على أنفسهم. وليسوا هم كحالِ بعضِ الطلبة المرفَّهين في عصرنا، يَسهرون إلى نصفِ الليل أو نحوِه على المِذياع والتِّلْفَاز أو غيرهما! ولا يقومون لصلاة الصبح إلَّا قهرًا أو جبرًا، وإذا حضروا في الدرس حضرَتْ أشباحُهم، وسَرَحَتْ أرواحُهم، فلا يفهمون إلَّا قليلًا إن لم يناموا، فإذا ناموا فمن إهمالٍ ومَلَل، =