قلت له هذا وأكثر من هذا، وكانت معارفُ وجهِه تدل على الموافقة ولكنه لم ينطق بشيء، وأنا أعلم أن سبب سكوته هو مخالفة ما سمع لما ألِف - رحمه الله -. ولقيت يومًا لشيخ يوسف النبهاني - رَحِمَهُ اللهُ - بباب من أبواب الحرم فسلَّمت عليه فقال لي: سمعت آنفًا درسَك في الشمائل، وأعجبني إنحازك باللوم على مؤلفي السِّير في اعتنائهم بالشمائل النبوية البدنية، وتقصيرهم في الفضائل الروحية؛ وقد أجزتُك بكلل مؤلفاتي ومروياتي وكل ما لي من مقروء ومسموع من كلّ ما تضمنه ثبتي … إلخ. فقلت له: أنا شاب هاجرتُ لأستزيدَ علمًا وأستفيد من أمثالكلم ما يكملني منه، وما أرى عملكم هذا إلَّا تزهيدًا لنا في العلم؛ وماذا يفيدني أن أروي مؤلفاتك وأنا لم أستفد منك مسألة من العلم؟ ولماذا لم تنصب نفسَك لإفادة الطلاب؟ فسكَت، ولم يكن له - رَحِمَهُ اللهُ - درس في الحرم، وإنما سمعتُ من خادم له جَبَرْتي أنه يتلقى عنه في حجرته درسًا في فقه الشافعية. وكان بعدَ ذلك يُؤثر محلي على ما بيننا من تفاوُت كبير في السن، وتباين عظيم في الفكرة. رحم اللَّه جميع من ذكرنا وألْحقَنا بهم لا فاتين ولا مفتونين. =