ولذا مشَّى أصحاب "الصحيحين" رواية جماعة بالعنعنة، كما تقدم عند المصنف، وكان ذلك فيما لم يخالفوا فيه غيرهم، ولذا قال ابن عبد البر في "التمهيد" (٣/ ٣٠٧): "وقتادة إذا لم يقل سمعت، وخولف في نقله، فلا تقوم به حجة؛ لأنه يدلِّس كثيرًا عمن لم يسمع منه وربما كان بينهما غير ثقة"، فمن لم يتفطن لانتقاء أصحاب "الصحيحين"، فإنه يُلْزِمُهُما بما لا يَلْزَمُهُمَا، فتفطن، وتفقَّد تجد، وسبق التنبيه على مثله. (١) التقريب (١/ ٣٦٣ - مع "التدريب")، "الإرشاد" (١/ ٢١١)، وكلامه واقع في كثير من الأمثلة، ويقع ثبوت السماع من خارج "الصحيحين"، ولكن هذا ليس مستغرقًا لجميع الأسانيد، ويعجبني ما قاله الصنعاني في "توضيح الأفكار" (١/ ٣٥٦) هنا: "يحتمل أن الشيخين لم يعرفا سماع ذلك المدلس الذي رويا عنه، لكن عرفا لحديثه من التوابع ما يدلُّ على صحته مما لو ذكراه لطال، فاختار إسناد الحديث إلى المدلس لجلالته وأمانته وانتفاء تهمة الضعف عن حديثه، ولم يكن في المتابعين الثقات الذين تابعوا المدلس من يماثله ولا يقاربه فضلًا وشهرة، مثل أن يكون مدلس الحديث سفيان الثوري والحسن البصري أو نحوهما، ويتابعه على روايته عن شيخه أو عن شيخ شيخه من هو دونه من أهل الصدق ممن هو ليس بمدلس". وينظر: "النصيحة" لشيخنا الألباني (٢٧ - ٢٨).