للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= زُرتُ يومًا الشيخ أحمد البرزنجي - رَحِمَهُ اللهُ - في داره بالمدينة المنورة وهو ضرير، وقد نُمِي إليه شيء من حفظي ولزومي لدور الكتب، فقال لي بعد خوض في هذا الحديث: أجزتُك بكل مروياتي من مقروء ومسموع بشرطه … إلخ، فألْقى في روعي ما جرى على لساني وقلت له: إنك لم تُعطِني علمًا بهذه الجُمل، وأحْرِ أن لا يكون لي ولا لك أجر، لانك لم تتعَب في التلقين وأنا لم أتعَب في التلقِّي؛ فتبسبم ضاحكًا من قولي ولم يُنكر، وكان ذلك بدأ شفائي من هذا المرض، وإن بقيَتْ في النفس منه عقابيل، تَهيج كلما طاف بي طائف العُجْب والتعاظم الفارغ إلى أن تناسيته متعمدًا؛ ثم كان الفضل لمصائب الزمان في نسيان البقية الباقية منه؛ وإذا أسفت على شيء من ذلك الآن فعلى تناسيّ لأيام العرب، لأنَّها تاريخ، وعلى نسياني أشعار العرب، لأنَّها أدب. وحضرت بعد ذلك طائفةً من دروس هذا الشيخ في "صحيح البخاري" على قلّتها وتقطعها؛ وأشهَد أني كنت أسمع منه علمًا وتحقيقًا؛ فقلت له يومًا: الآن أعطيتَني أشياء وأحْرِ بنا أن نؤجَر معًا، أنت وأنا؛ فتبسّم مبتهجًا وقال لي: يا بنيّ هذه الدراية، وتلك الرواية. فقلت له: إن بين الدراية والعلم نسبًا قريبًا في الدلالة، تُرادفه أو تقفُ دونه؛ في نسبةُ الرواية إلى العلم؟ وقطعَ الحديث صوت المؤذن وقال لي بعد الصلاة: حدّثني بحديثك عن نسبة الرواية إلى العلم، قلت له ما معناه: إن ثمرة الرواية كانت في تصحيح الأصول وضبط المتون وتصحيح الأسماء، فلما ضُبطت الاصول وأُمِن التصحيف في الأسماء خَفّ وزن الرواية وسقطت قيمتها، وقلت له: إن قيمة الحفظ - بعد ذلك الضبط - نزلتْ إلى قريب من قيمة الرواية، وقد كانت صنعة الحافظ شاقةً يوم كان الاختلاف في المتون، فكيف بها بعد أن تشعب الخلاف في ألفاظ البخاري في السند الواحد بين أبي ذر الهروي، والأصيلي، وكريمة، والمستملي، والكشميهني، وتلك الطائفة، وهل قال حدثني أو حدثنا أو كتاب أو باب؛ إن هذا لتَطويل ما فيه من طائل. ولا أراه علْمًا بل هو عائق عن العلم؛ وقلت له: إن عمل الحافظ اليونيني على جلالة قدره في الجمع بين هذه الروايات ضرب في حديد بارد، لا أستثني منه إلَّا عمل ابنِ مالك، وإن ترجيح ابن مالك لإعراب لفظة لأدلُّ على الصحة =

<<  <   >  >>