بالياء فالله تعالى يخبر عنه أَنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ.
- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ}.
قَرَأَ نَافِعٌ، وَالْكِسَائِيُّ «لَا يَكْذِبُونَكَ» بِالتَّخْفِيفِ.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ «يُكَذِّبُونَكَ».
فَمَنْ شَدَّدَ فَمَعْنَاهُ: إِنَّهُمْ يُكَذِّبُونَهُ فِي نَفْسِهِ، وَمَنْ خَفَّفَ فَالتَّقْدِيرُ: إِنَّهُمْ لَا يُصِيبُونَكَ كَاذِبًا، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ مَا شَكُّوا فِي صِدْقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالُوا: نُكَذِّبُ بِمَا جِئْتَ بِهِ.
- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ}.
قَرَأَ نَافِعٌ وَحْدَهُ «يُحْزِنُكَ» بِالضَّمِّ. وَكَسْرِ الزَّايِ.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ، وَهُوَ الِاخْتِيَارُ، وَاللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ لِقَوْلِهِمْ: مَحْزُونٌ وَلَا يُقَالُ مُحْزَنٌ، لِأَنَّ مَنْ قَالَ: أَحْزَنْتُ فُلَانًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ مُحْزِنًا وَالْمَفْعُولُ مُحْزَنًا، وَالِاخْتِيَارُ حَزَنَنِي الْأَمْرُ، أَنْشَدَنِي ابْنُ عَرَفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
لَا تَحْزُنِينِي بِالْفِرَاقِ فَإِنَّنِي ... لَا تَسْتَهِلُّ مِنَ الْفِرَاقِ شُئُونِي
- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ}.
قَرَأَ نَافِعٌ جَمِيعَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ بِتَرْكِ الْهَمْزَةِ تَخْفِيفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ هَمْزَتَيْنِ الْأُولَى: هَمْزَةُ اسْتِفْهَامٍ، وَهِيَ زَائِدَةٌ، وَالثَّانِيَةُ: عَيْنُ الْفِعْلِ، وَهِيَ أَصْلِيَّةٌ، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَاضِي، فَأَمَّا الْفِعْلُ الْمُضَارِعُ نَحْوَ يَرَى وَتَرَى فَإِجْمَاعُ الْقُرَّاءِ وَالْعَرَبِ عَلَى تَرْكِ الْهَمْزَةِ إِلَّا الشَّاعِرَ فَإِنَّهُ إِذَا اضْطَرَّ هَمَزَ عَلَى الْأَصْلِ، كَقَوْلِهِ:
أُرِي عَيْنِي مَا لَمْ تَرْأَيَاهُ ... كِلَانَا عَالِمٌ بالترهات
وأهل الحجاز يقولون في الأمر: ريا زَيْدُ بِرَاءٍ وَاحِدَةٍ، وَتَزِيدُ هَاءً لِلسَّكْتِ، فَتَقُولُ: ره، وتميم ارأ بِالْهَمْزِ يَرُدُّونَ الْهَمْزَةَ.
وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ: «أَرَايْتَ» بِإِسْقَاطِ الْهَمْزَةِ مِنْ غَيْرِ تَلْيِينٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكِسَائِيَّ لَمَّا وَجَدَ الْعَرَبَ مُجْتَمِعَةً عَلَى تَرْكِ الْهَمْزِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَنَى الْمَاضِي عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ مَعَ زِيَادَةِ الْهَمْزَةِ فِي أَوَّلِهَا، وَهِيَ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ، قَالَ الشَّاعِرُ:
أَرَيْتَ إِنْ جِئْتُ بِهِ أُمْلُودَا ... مرجلا ويلبس البرودا