وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ، وَلِابْنِ عَامِرٍ حُجَّتَانِ.
أَحَدُهُمَا: مَا ذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ «قَلِيلًا» يُنْصَبُ بِ «أَنْ» وَلَا يَسُدُّ مَسَدَّ الْخَبَرِ، وَالتَّقْدِيرُ: مَا فَعَلُوهُ أَنْ قَلِيلًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ.
وَالْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْعَرَبَ تَنْصِبُ فِي النَّفْيِ وَالْإِيجَابِ بِضَمِيرِ فِعْلٍ نَابَتْ عَنْهُ «إِلَّا» وَالتَّقْدِيرُ مَا فَعَلُوهُ، اسْتَثْنِي قَلِيلًا، فَهُوَ عَلَى أَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ، غَيْرَ أَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ إِذَا كَانَ مَنْفِيًّا وَكَانَ مَا بَعْدَ «إِلَّا» مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهُ الرَّفْعُ عَلَى الْبَدَلِ، كَقَوْلِكَ: مَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ إِلَّا زَيْدٌ، وَمَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ، وَإِذَا كَانَ مَا بَعْدَ «إِلَّا» لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهُ اخْتِيرَ لَهُ النَّصْبُ، كَقَوْلِكَ: مَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ إِلَّا حِمَارًا. {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى}.
- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ}.
قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ، «تَكُنْ» بِالتَّاءِ لِتَأْنِيثِ الْمَوَدَّةِ.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ، لِأَنَّ تَأْنِيثَهَا غَيْرُ حَقِيقِيٍّ، وَلِأَنَّ «قَدْ» فَصَلَتْ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْفِعْلِ بِفَاصِلٍ، كَقَوْلِكَ: حَضَرَ الْقَاضِي الْيَوْمَ امْرَأَةٌ.
- وقوله تعالى: {ولا تظلمون فَتِيلًا}.
قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ بِالْيَاءِ، إِخْبَارٌ عَنْ غَيْبٍ.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ أَيْ: فَلَا تُظْلَمُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا.
- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ}.
قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ بِالْإِدْغَامِ.
وَالْبَاقُونَ بِالْإِظْهَارِ عَلَى الْأَصْلِ، وَمَنْ أَدْغَمَ فَلِأَنَّ التَّاءَ سَاكِنَةٌ لِلتَّأْنِيثِ، فَلَمَّا كَانَ السُّكُونُ لَهَا لَازِمًا كَانَ الْإِدْغَامُ لَازِمًا، وَلَمَّا كَانَتِ التَّاءُ أَصْلِيَّةٌ فِي «بَيَّتَ طَائِفَةٌ» وَكَانَتْ حَرَكَتُهُ لَازِمَةً وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْإِظْهَارُ أَحْسَنَ.
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو، وَحَمْزَةُ «بَيَّتْ طَائِفَةٌ» بِالْإِدْغَامِ.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْإِظْهَارِ.
- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا}.
قَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ «فَتَثَبَّتُوا».
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْبَاءِ، وَالْأَمْرُ بَيْنَهُمَا قَرِيبٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: تَثَبَّتُّ في أمري