وقولُه تَعَالى: {وَأَمْلَى لَهْمْ}.
فِيهِ ثلاثٌ قراءاتٍ:
قرأ أَبُو عمرٍو وحده: «وأُمْلِيَ لَهُمْ» عَلَى ما لم يُسم فاعله. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وما قرأتُ حرفًا من كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ برأي إلّا قولُه: {وَأُمْلِيْ لَهْمْ} فَوَجَدْتُ النَّاسَ قد سَبَقُوني إِلَيْه. وما زدتُ فِي شعرِ العَرب إلَّا بيتًا واحدًا فِي أول قصيدة الأعشى:
فَأَنْكَرَتْنِي وَمَا كَانَ الَّذِي نَكَرَتْ ... مِنَ الحَوَادِثِ إلَّا الشَّيبَ والصُّلَعَا
وقرأ الباقون: «وأَمْلَىْ لَهُمْ» بفتح الهمزةِ، ردًّا عَلَى قولِه: {الشيطان سول لَهُمْ وأَملى لهم}.
وقرأ مجاهدٌ: «وأُمْلى لهم» بضمِّ الهمزةِ، وإسكان المِيم اللَّه تَعَالى يُخبر عنْ نَفسه، أي: أُملى أَنا؛ لأنّ اللَّه تَعَالى قَد ذَكَرَ فِي مواضعَ أخرَ: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} وفي الأعراف، {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} وكلُّ ذَلِكَ صوابٌ بحمدِ اللَّه.
وقولُه تَعَالى: {واللهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ}.
قرأ حمزةُ والكِسَائِيُّ وحفصٌ، عنْ عاصمٍ: «إسْرَارَهُمْ» بكسر الهمزةِ جعلاهُ مصدر أَسرِّ يُسِرُّ إسرارًا.
والباقون بالفتح جمعُ سرٍّ، يُقال: أَسْرَرْتُ الشَّيءَ: أخفيته وأسررته: أظهرته.
وسررت زيدا، وسَرَرْتُ الصَبِىَّ: قطعتُ سَرَرَهُ والذي تَبقى: السُّرةُ.
وقولُه تَعَالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} ... {ونَبْلُوَا أَخْبَارَكُمْ}.
قرأ عاصمٌ وحده بالياء أي: الله تعالى يبلو ويَخْتَبِرُ.
وقرأ الباقون بالنُّون، اللَّه تَعَالى يُخبر عنْ نَفسه.
فإن قيلَ: اللَّه تَعَالى يعلمُ الأشياءُ قبلَ كونِها، فلمَ قَالَ: {حَتَّى نَعْلَمَ}؟
فالجوابُ فِي ذَلِكَ أن معناه: حتَّى تَعلموا أَنتم، وهذا تَحسينٌ فِي اللَّفْظِ، كما يَجتمعُ عاقلٌ وأحمقُ. فيقول الأَحمقُ: الحطبُ يُحرقُ النَّارَ، ويقولُ العاقلُ: بل النَّارُ تُحرقُ الحَطَبَ، فيقولُ العاقلُ: نجمعُ بينَ النَّارِ والحطبِ لنعلمَ أيُّهما يحرقُ صاحبه.
أي: لتَعلمه أَنت.